محمد سلطان محمود يكتب: رسالة متأخرة لعلي أبو شادي

عزيزي الأستاذ علي أبو شادي..

عذرًا لتأخر تلك الرسالة حتى وفاتك، أنت لا تعرفني وبالتالي لا أعتقد أنك كنت تنتظرها.

لا أتذكر متى توليت منصب “الرقيب”، لكن أذكر أن سنوات المرحلة العمرية التي أحببت فيها السينما ومتابعة الأفلام بشغف كانت مرتبطة دائمًا بأخبار تتناقلها الصحف عن وجود صدام بين الرقابة وأحد المخرجين، أو أنك قمت بإجازة فيلم مثير للجدل دعمًا منك لصناعة السينما، عبارات كانت تكتب دائمًا في صفحات الفن في الصحف اليومية.

أغلبها أخبار أدرك الأن أنها كانت من خيال محرريها أو ادعاءات من صُناع تلك الأفلام للترويج لها، لأننا شاهدنا الأفلام ولم نرى ما كان يستحق الصدام، كما أدرك الأن أنك لم تكن تسمح أن يتم عرض أفلام مقاولات في عهدك كرقيب، في مرحلة تم وصف السينما فيها بالسينما الشبابية النظيفة.

نرشح لك: شاهد: أمراض الحب الستة

أيضًا، ارتبط اسمك بتلك اللحظة داخل دار العرض السينمائي، حينما يبدأ الملل أن يتسلل إلى الجالسين في القاعة ثم تظهر تلك اللوحة البيضاء المكتوبة بخط اليد، والأرجح أنه كان خط يدك، بها اسم الفيلم وعدد فصوله وتوقيعك المميز، كان ظهور اللوحة مرتبط بكلمة يرددها عدد من الموجودين بغمغمة في نفس الوقت “أخيرًا؟”، ليبدأ الفيلم بعدها.

كنت رقيب جيلي السينمائي، وهو جيل نشأ على الرقابة في كل مكان، لا أدعي أن فكرة الرقابة على الأفلام بمعاييرك تزعجني، لكن قد يزعجني أن يمارس دور الرقيب شخص لا يفهم آليات الصناعة أو قيمة الفكرة والمضمون.

لم أعرف الكثير عنك كناقد سينمائي بحكم الفارق الزمني، ولا أعلم لماذا لم تعد إلى مقعد الناقد الفني بعد تركك لمنصب الرقيب. لم تتحدث عن رأيك في الأفلام في الفترة اللي كانت تتولى فيها منصب الرقيب وما بعدها بحكم ابتعادك عن الحوارات الصحفية، لكن كنت دائمًا أسمع وأقرأ اسمك مصحوب بعبارات التقدير من صناع السينما، وهذا كان يكفي خيالي لكي يؤكد على تلك الصورة لك في مرحلة تعارفنا من مقعد المشاهد، وربما يكون ذلك هو سبب عدم بحثي عن تفاصيل أخرى.

نرشح لك: محمد سلطان محمود يكتب: الطوفان قادم.. انجوا بقنواتكم

يؤسفني أن تكون المرة الأولى التي أكتب فيها عنك هي بسبب وفاتك، منذ بضعة أيام شاهدت صورك في حفل مهرجان جمعية السينما، كنت تقف على المسرح وعلى وجهك إبتسامة شخص يتواجد في مكان يحبه، حينها جائتني فكرة أن أتواصل معك لإجراء حوار تحكي فيه عن تلك الفترة اللي كنت فيها “صاحب السينما” بالنسبة لجيل بأكمله.

ما دفعني لكتابة تلك الرسالة؛ هو النعي الذي كتبته صديقتك إسعاد يونس، وحديثها عن لحظات مرضك منذ سنوات، كلماتها المملوءة بشعور المرارة والوجع والغضب لخسارتك، سطورها المتألمة جعلتني أتخيلها وهي تنتج تلك الأفلام وتتحاور معك حوارات فنية ثرية حول فكرة اختلفتما عليها أو مشهد أثار حفيظة الرقيب لديك، تلك المفاوضات التي تنتهي بعبارات المحبة والتقدير بعد الوصول إلى قرار، في الغالب كان حل وسط، شعرت بفقدانها لرفيق كفاح في مرحلة فارقة في صناعة السينما، وشعرت بفقدان السينما لشخص كان يحرص على أن تكون جميلة.

كنت وسوف تظل رمزًا أثر في مرحلة التغير الأهم للسينما المصرية والعربية.

عزيزي الأستاذ علي أبو شادي، شكرًا،لا يسعنا الآن سوى أن ندعو لك.