مسلسلات غيَّرت وجه الدراما ..سلسلة مقالات لعمرو قورة

مقدمة لا بد منها..

هذه أول مقالة من سلسلة مقالات أنوي كتابتها عن المسلسلات التلفزيونية التي أحدثت ثورة، وغيَّرت شكل الدراما التلفزيونية للأبد، لدرجة أن الدراما التلفزيونية أصبحت تتكلف حوالي ٥ ملايين دولار للحلقة الواحدة، وتزداد لو كان مشاركا فيها نجم أو أكثر من السوبر ستارز. وسبب اتجاه النجوم للتلفزيون هو انضباط المنظومة أكثر بكثير من المنظومة السينمائية، بالإضافة للانتشار والأجر المتميز عن كل حلقة يقومون ببطولتها.

والفارق ما بين الأفلام السينمائية وما بين الدراما التلفزيونية في العالم -ولكنه لا ينطبق على منطقتنا العربية- هو أن في الفيلم السينمائي يكون المخرج هو قبطان السفينة والآمر الناهي وصاحب الرأي الأول والأخير من قبل ومن بعد؛ أما في الدراما التلفزيونية، فالمخرج مجرد موظف عند من يسمى بالـ Showrunner، وهو في غالب الأمر الكاتب صاحب القصة و مدير ورشة السيناريو، فلكل حلقة من نفس المسلسل مخرج مختلف، ومع هذا تجد أنه من الصعب ملاحظة الفارق بين المخرجين لأنهم لا يضعون رؤيتهم هم، إنما ينفذون رؤية الـ “شورانر”، وهو في التلفزيون القائد الأعلى وصاحب الكرة والمدير الفني.

نرشح لك : عادل كرم بطلًا لأول إنتاج عربي لـ Netflix بالشراكة مع “كرييتف آراب تالنت”

أما ما حدث من ثورة في الدراما التلفزيونية، فهو انتقال من قصص معقمة تصلح لجميع أفراد العائلة، لقصص أعمق وأكثر سوادا وحقيقية. وأصبح لكل مسلسل روح تمتلك مشاهديه، كما أن رسم الشخصيات اختلف من الشخصيات الثنائية الأبعاد في الدراما التي تربينا عليها: شرير لكن جدع.. غني لكن أهبل.. ابن ناس لكن فافي.. رجل أعمال ناجح لكنه نصاب. وكانت الشخصيات تبدأ وتنتهي بدون أي تغير فيها؛ فالبطل دائما ينتصر للحق وينصر المظلوم و يتعامل برفق مع عائلته و محترم، من أول حلقة لآخر حلقة؛ والشرير يبقى شريرا في كل تصرفاته، وفي حياته الخاصة والعامة، من أول حلقة لآخر حلقة برضه.. وهذا لا يمثل الواقع في شيء.

إلى أن جاءت شركة “HBO” الأمريكية، والتي كانت توزع عن طريق الكيبل وتتطلب اشتراكا شهريا؛ مما أدى إلى ظهور نوع جديد من المشاهدين؛ مشاهد يريد محتوى أكثر تميزا عما تقدمه التلفزيونات التقليدية، مشاهد تأثر بثورة الاتصالات في نهاية الثمانينيات ثم أكملت عليه تكنولوجيا الإنترنت، مشاهد يعمل ويكد ويحقق عائدا مادي محترما، مشاهد يسافر وينفتح على الحضارات الأخرى، مشاهد يريد أن يستمتع بمسلسل يعكس الحقيقة ويتناول التابوهات بصراحة ووضوح ويعكس الحقيقة في الحياة وفي الشخصيات.

ولا أحد يستطيع إنكار بعض التغيير الذي حدث في نهاية الثمانينيات والتسعينيات من مسلسلات أذيعت على القنوات التلفزيونية التقليدية والتي اعتبرت في وقتها ثورة صغيرة مثل مسلسلاتNYPD Blue. OZ….ER…Friends…Seinfeld..The West Wing …Homicide: Life on the Street…The X-Files…Will & Grace

و غيرها من المسلسلات التي تحدثت بجرأه غير مسبوقة وتوغلت في مواضيع لم تناقش من قبل. ولكنهم جميعا توقفوا خطوات قبل القفزة الكبرى، بسبب الحدود التي يفرضها التلفزيون التقليدي وما يمكن عرضه على شاشات التلفزيون المجانية.

نرشح لك : شاهد: فيلم خيال علمي جديد على نتفلكس

إلى أن جاءت “HBO” ووفرت منصة للمبدعين والكتاب والمنتجين في المغامرة فيما وراء الحائط الدفاعي التي وضعته القنوات التقليدية NBC وCBS وABC، وانضمت لهم Fox في نهاية الثمانينات، وأطلقت عددا من الأعمال التي غيرت وجه الدراما التلفزيونية إلى الأبد.

فجأة وجد المشاهد دراما جديدة تخاطب عقله بذكاء؛ حوارها ممتع وفي مكانه والشخصيات حقيقية جدا تشبه وتتصرف كما يفعل ملايين البشر.. فالبطل قد يكون له أخطاء مصيرية ولكنه البطل، بينما الشرير بالمفهوم القديم أصبح أكثر تطورا وله أبعاد كثيرة في شخصيته تجعله حقيقيا وليس مثل أشرار أفلام جيمس بوند مثلا المبالغ فيهم.

وفي ١٠ فبراير سنة ١٩٩٩، ظهرت أول حلقة على “HBO” من مسلسل “سوبرانوز”.. ومن يومها لم تلتفت الدراما التلفزيونية إلى الوراء واستمرت تتطور حتى وصلت لمستوى Game of Thrones وNarcos وBlack Mirror التي نشاهدها بعد حوالي ٢٠ عاما من انطلاق المسلسل الذي هز أركان الصناعة لعدة أسباب، أهمها الشخصية المحورية “طوني سوبرانو”؛ البطل الذي لم يظهر من قبل في المسلسلات على شاشة التلفزيون في أي دراما.. البطل المجرم البلطجي الشرير القاسي.. فكيف يقع المشاهدون في حب الشخصية وكيف ينتظرون شخصية بهذه البشاعة والقسوة كل أسبوع بفارغ الصبر؟

هذا ما سنكتشفه يوم الثلاثاء القادم. القصة وراء مسلسل “ذا سوبرانوز”؛ المسلسل الذي غيَّر مفهوم الدراما التلفزيونية إلى الأبد.. والآن هناك تلفزيون ما قبل “سوبرانوز”، وتلفزيون آخر تماما بعد “سوبرانوز”.. انتظروا يوم الثلاثاء.