حسين عثمان يكتب: تصحيح المسار في النهار

قلبي دائماً مع شبكة تليفزيون النهار، ولأسباب بعضها شخصي، وبعضها الآخر يتعلق بالشأن العام، أما الشخصي، فصداقة طفولة وعشرة عمر تربطني بملاك الشبكة، وتجعلني أنحاز لهم فأشهد بيقين، أنهم من يومهم مهنيون ومجتهدون، ولم يصنعوا أنفسهم إلا بأنفسهم، وسواء هنا عمرو الكحكي في مجال الإعلام، أو علاء الكحكي في مجال الإعلان، كل منهما بدأ في مجاله من المربع صفر، تعلم واجتهد وتخصص وصبر وثابر، وحصل الخبرات المتنوعة في مؤسسات إعلامية وإعلانية كبرى داخل مصر وخارجها، فلم يكن منطقياً فيما يقرب من ربع قرن، إلا أن يكون آل الكحكي من سمين صناعة الميديا، وسط غث استشرى فاحتلها بسطوة الأموال ليس إلا.

وفيما يتعلق بالشأن العام، فلأن شبكة تليفزيون النهار، ومنذ إطلاقها منتصف عام 2011، تتميز وسط هدير القنوات الفضائية المندفع بقوة الشلالات، بأداء مهني رصين، وتوجه وطني واضح، وطلة أسرية دافئة، ومحتوى متنوع هادف، يخاطب مختلف فئات وشرائح المجتمع، استطاعت من خلاله أن تنافس بقوة، وتحجز لنفسها مكاناً وسط الكبار، وإن فرضت قواعد المنافسة في بعض الأحيان الخروج عن المألوف على شاشاتها، سرعان ما تجدها تراجع نفسها، فتحاسبها قبل أن يحاسبها الآخرون، وتتخذ على الفور الإجراءات التصحيحية اللازمة، ولا يعنيها هنا تعليق برنامج هنا، أو إيقاف مذيعة هناك، فرؤية ورسالة وقيم وأهداف الشبكة، دائماً ما تكون فوق الجميع أياً كان اسمه.

شبكة تليفزيون النهار، فُرض عليها الصراع من أجل البقاء في السنوات الثلاث الماضية، ولم تفرضه إلا أوضاع سياسية واقتصادية واجتماعية متقلبة، كانت ولا تزال تلقي بظلالها ونحن نعيش مرحلة انتقالية في اتجاه إعادة بناء الدولة، وبخلاف أن قوانين السوق كانت حاكمة هي الأخرى في مثل هذه الأجواء، فكان أن اندمجت الشبكة جزئياً مع مجموعة قنوات سي بي سي، ولم تكلل التجربة بالنجاح وانتهت في ظرف شهور قليلة بعدها، ثم استسلمت العام الماضي لفكرة الخروج من السوق، وقبول عرض الاستحواذ ونقل الملكية إلى إحدى الكيانات الإعلامية الكبرى، ولم يدفع النهار لهذا إلا نزيف مستمر من الخسائر، هز أركان صناعة الإعلام بأسرها.

نرشح لك: استعداد شافكي المنيري للظهور على شاشة “on live”

ولم يكن عدم التزام الجهة الراغبة في الشراء بمهلة اتمام الصفقة في موعد غايته 24 ديسمبر الماضي، إلا ميلاداً جديداً لشبكة تليفزيون النهار، يقوم هذه المرة على الترشيد وفق منهج علمي يسير في عدة اتجاهات، وبما يسمح أن تستعيد معه الشبكة توازنها المالي حتى يمكنها الاستمرار، وهو ما بدأته مع مطلع أكتوبر الماضي، كمخطط احتياطي بديل لصفقة البيع، فكان أن توافقت مع مثيلاتها في غرفة صناعة الإعلام، على وضع أسقف مالية محددة تلتزم بها جميع القنوات، بخصوص شراء المسلسلات، وأجور الضيوف من النجوم في مختلف البرامج، ومعها شرعت النهار في اعتماد سياسة البقاء للبرامج التي تحقق عوائد إعلانية تغطي تكاليفها.

اكتفت النهار بما قدمته من مواسم لبرنامج أحمد فايق (مصر تستطيع)، وتراجعت عن الاعتماد على البرامج الترفيهية المكلفة، بعدما رأت أن مشاهديها يتابعونها على شبكات التواصل الاجتماعي، وتكتفي في خريطتها الجديدة لهذا العام بخمس برامج جماهيرية متنوعة، بجانب الاعتماد على عروض الدراما الناجحة في غير الموسم الرمضاني، وهو ما جاء على لسان مصدر مسئول بشبكة تليفزيون النهار، في تصريح لجريدة الشروق مؤخراً، والذي أكد أن الخطة البديلة قد تم تجريبها بالفعل في الربع الأخير من العام الماضي، وكانت النتيجة مبشرة جداً، حيث حققت الشبكة أرباحاً لأول مرة منذ ثلاث سنوات، تصحيح المسار في النهار، منهج مطلوب من صناع الإعلام بالكامل.