الأناشيد الإسلامية.. بين النزعة الدينية والفشل السياسي

أحمد ثابت

رغم الانتشار السريع للخطب والمحاضرات التي يلقيها شيوخ التيارات الإسلامية المختلفة (مثل الإخوان والسلفيين) ووصول أفكار وفتاوى تلك التيارات إلى الغالبية العظمى من المصريين حتى غير المسلمين منهم ،إلا أن الأناشيد الإسلامية التي تعبر عن رؤية وأفكار التيار الديني فشلت في تحقيق نجاحا مماثلا لما حققته خطب ومواعظ شيوخ التيار الإسلامي، قبل الخوض في أسباب فشل الأناشيد الإسلامية في الانتشار بين المصريين، نلقي نظرة سريعة على أنواع الأناشيد الإسلامية المرتبطة بالتيارات الدينية والتي يمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام:

أولها أناشيد لا تعتمد على أي آلة موسيقية أو آلات إيقاع وهي منتشرة بشكل واسع بين أصحاب الفكر السلفي الذين يحرمون الموسيقي والدفوف ،ويغلب على تلك الأناشيد طابع الحزن وتتحدث غالبا عن الموت والجهاد ومن أشهرها أنشودة فرشى التراب للمنشد الكويتي الذي رحل قبل أيام مشاري العرادة.

وثانيها أناشيد تعتمد على الدفوف والطبول بالإضافة إلى المؤثرات الصوتية، ويتبنى هذا النوع الإخوان المسلمون الذين شكلوا عدة فرق غنائية قامت بإصدار الكثير من الألبومات التي ارتبطت بشكل رئيسي بموضوعين اثنين هما الانتفاضة الفلسطينية و مناسبات الأفراح وحفلات الزفاف.

أما النوع الثالث فهي أناشيد تعتمد على الموسيقى والمؤثرات الصوتية وبدأ ظهورها في أوساط الإخوان منذ عام 2005 وكان أول من سلك ذلك النهج هو المنشد مصطفى محمود وفرقته التى أطلق عليها اسم فريق الوعد.

عاشت الأناشيد الإسلامية التي يطلقها الفرق الغنائية الإخوانية ،فترة ذهبية منذ الانتفاضة الفلسطينية الثانية عام 2000 وحتى عام 2007. ومع انشغال الإخوان بالقضايا السياسية الداخلية المصرية وابتعادهم عن القضية الفلسطينية، بدأت أسهم الأناشيد الإسلامية في التراجع رويدا رويدا، وأسرع من وتيرة ذلك التراجع ابتعاد الجمهور عن سوق الكاسيت واتجاهه إلى تحميل المواد الصوتية مجانا عبر الإنترنت. من هنا ننتقل إلى عوامل فشل الأناشيد الإسلامية في غزو المجتمع المصري والتي يمكن تلخيصها في عاملين رئيسيين:

1- انفصال الأناشيد عن الواقع وغياب حالة التجانس مع الأذواق المختلفة للمصريين، فالمصريون بطبيعتهم شعب محب للفن منذ الحضارة الفرعونية وحتى الآن، البعض منهم يبحث عن الأغنية السريعة والآخر يميل للأغاني التراثية ذات الرتم الهادئ. الأناشيد الإسلامية في المجمل لم تلبي إلا رغبات وأذواق المنتمين للتيارات الدينية وبدت منفصلة تماما وبعيدة أشد البعد عن رغبات رجل الشارع العادي. الكلمة واللحن والموسيقى بعيدون كل البعد عما اعتاد المصريون سماعه من كلمات وألحان وموسيقى ،حتى أنها لم ترقى لدرجة تنافس فيها الأغاني الدينية والابتهالات التي أحبها المصريون قديما وحديثا مثل مولاي إني ببابك للنقشبندي وأنا من تراب لعبد الحليم حافظ و الحديث منها مثل نور على نور لعمرو دياب.

2- غياب الإبداع واعتماد الأناشيد الإسلامية في مصر على تقليد نظيرتها الفلسطينية من حيث الكلمات ولهجة الغناء والألحان ،وفي بعض الأحيان قاموا بتقليد أغاني قديمة وحديثة وغيروا فقط من بعض الكلمات والتوزيع الموسيقي وأبقوا على اللحن كما هو،استمع مثلا إلى نشيد لبيك إسلام البطولة الذي هو في الأصل أغنية لبيك يا علم العروبة للمطرب محمد سلمان. ونشيد مصر إسلامية الذي أطلقوه عقب الإطاحة بمحمد مرسي هو في الاصل وين ع رام الله للفنانة اللبنانية العظيمة سميرة توفيق.

https://youtu.be/uNKtHzwmjCQ

نقطة الإبداع مفقودة بشكل واضح لدى التيارات الإسلامية، فلن تجد منهم روائي مشهور أو كاتب يشار إليه بالبنان أو فنان صاحب شعبية والأمر هنا لا يتعلق بتضييق أمني أو ما شابه فقد كانت لهم صحفهم وجرائدهم وأشرطة الأناشيد الإسلامية كانت تصدر بتصريح من الأزهر، لكن الأمر يتعلق بطبيعة الأشخاص نفسهم وطبيعة الفكر المنتمين إليه الذي جعل منهم جميعا جنودا لا يعرفون إلا السمع والطاعة ونادرا ما يسعون إلى التفكير خارج الصندوق.