دعاء عبد الوهاب تكتب: أنا وجاهين وزهر الشتا

منذ طفولتي وأنا أعتقد أن الموسيقى هي أجمل ما حدث على هذه الأرض، وكنت كثيراً ما أفكر أن حياتنا لكي تكتمل فلا بد أن تصاحبها الموسيقى التصويرية. فهذه موسيقى مناسبة للحظات الوداع، وتلك موسيقى تصاحب أوقاتنا السعيدة، وموسيقى تشبه مذاكرة ليلة الامتحان وموسيقى تناسب وجبة ساخنة في ليلة شتوية ممطرة.

كنت أنا تلك الطفلة التي تجلس أمام أفلام محمد فوزي ومنير مراد وفريد الأطرش مع سامية جمال، مستمتعةً بالاستعراضات والغناء والموسيقى الساحرة، ولكن تبقى لحظتي الساحرة الحقيقة، والتي أدركت خلالها أن هذا ما أريد أن أفعله طوال الوقت، حين شاهدتُ تلك العرائس الصغيرة تتحرك على شاشة التليفزيون وتغني “الليلة الكبيرة يا عمي والعالم كتيرة.. ماليين الشوادر يابا م الريف والبنادر”.

وفي لحظة خاطفة وقعت في غرام بائع الحمص والريس حنتيرة والعمدة و الأراجوز وشجيع السيما، وراقصة القهوة وهي تشدو وتتمايل “طار ف الهوا شاشي وانت متدراشي.. يا جدع”.

نرشح لك: دعاء عبد الوهاب تكشف قصة أول أغنية مع “مسار إجباري”

قبل هذه اللحظة لم أكن أهتم بأسماء مؤلفي كلمات الاستعراضات والأغاني التي أحبها، فيكفيني استمتاعي بالموسيقى والرقص والغناء، ولكنني عندما شاهدت أوبريت الليلة الكبيرة لأول مرة، تساءلت من ذا الذي استطاع أن يجعلني أرى مصر في صورة مصغرة ترقص وتغني من ذا الذي منحني هذا القدر من البهجة والسعادة والاستمتاع وعرفته لأول مرة.. صلاح جاهين.

وقعت في غرامه كما وقعت في غرام شخصياته و كلماته، أدركت أنني أريد أن أفعل مثل هذا الرجل، أن أكتب لكي يشعر الناس بالبهجة والسعادة.

وأصبحت إجابتي عن هذا السؤال التقليدي الذي يطرحونه على الأطفال: “عايزة تبقي إيه لما تكبري؟؟”

– عايزة أكتب أغاني زي صلاح جاهين

ولم تتوقف علاقتي به عند هذا الحد!! بل كان هو أيضًا صاحب خطفتي الفنية الثانية.. الرباعيات.. فمنذ أن قرأت رباعيات جاهين، أصبحت أرى للفن بعداً آخر ليست البهجة والمتعة وحدها، وإنما عمقاً فلسفياً جعل أربعة سطور صغيرة تحمل العديد والعديد من المعاني والتجارب الحياتية والأجوبة، أصبحت رباعيات جاهين هي ملاذي حين أشعر بالضيق أو الحزن؛ فأنا أصدقه تماماً حين يقول أن الأحزان “راح تنتهي ولا بد راح تنتهي.. مش انتهت أحزان من قبلها”.

وكلما شعرت باليأس أتذكر أن “زهر الشتا طالع ف عز الشتا”.

وأن “حاجات كتير بتموت ف ليل الشتا.. لكن حاجات أكتر بترفض تموت”.

وصرت أنا حاملة لواء التفاؤل والبهجة وسط أصدقائي وزملائي وحتى في كتاباتي، وكيف لا.. وأنا اعتبرته يوصيني كما يوصي ابنه بالابتعاد عن حزن الحياة وألمها كلما استطعنا إلى ذلك سبيلا.

أوصيك يا ولدي بالقمر والزهور

أوصيك بليل القاهرة المسحور

وإن جيت ف بالك اشتري عقد فل

لأي سمرا وقبري إوعاك تزور

وعاهدته أن “اسمع الكلام” فـ أغامر واستمتع ولا أهابُ صعباً أو محالاً

وأصبحتُ

أنا اللي بالأمر المحال اغتوى

شفت القمر نطيت لفوق ف الهوا

طولته مطولتوش إيه انا يهمني

وليه.. مادام بالنشوة قلبي ارتوى

رباعيات صلاح جاهين.. هذا العمل الأدبي الفني الفلسفي العبقري الذي اعتبره الوصفة السحرية للحياة

تلك الحياة التي نعيشها وتكسرنا تجاربها وتبنينا

نقابل من نقابل.. ونفارق من نفارق

نندهش ونحزن ونتلهف ونضحك

ويظل..

أجمل ما فيها العشق والمعشقة

وشويتين الضحك والتريقة

شفت الحياة، لفيت.. لقيت الألذ

تغييرها.. ودا يعني التعب والشقا