فيلم "في سوريا".. كيف تحول عملًا سينمائيًا إلى ملحمة؟!

إسلام وهبان

يخطئ البعض حينما يتعجل ويقوم بتناول ثورة أو حرب ببلد ما في فيلم أو مسلسل بعد الانتهاء منها بفترة وجيزة، وذلك لأن الكثير من المعلومات والحقائق والقصص تكون غائبة عن المشهد، ويصبح هذا العمل الفني بعد فترة بلا أثر أو متناقض مع الحقائق التاريخية التي تم كشفها فيما بعد، وهذا ما حدث في كثير من الأعمال السينمائية والدرامية بمصر بعد ثورة يناير مثلا.

لكن في بعض الأحيان قد يمنحك الله نفحة من نفحاته ويهبك قدر من الحكمة أن تتناول قضية كالحرب في سوريا -والتي امتدت لسبع سنوات ولازالت مستمرة- بشكل مغاير ومتميز وصادق، وهذا ما قام به البلجيكي فيليب فان ليو، مخرج ومؤلف فيلم “insyriated” أو “في سوريا”، والذي شارك بالمسابقة الرسمية بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة 39.

نرشح لك.. إسلام وهبان يكتب: فيلم “redu”.. عندما تنتصر للفطرة

الفيلم تدور أحداثه حول أسرة سورية تعاني من وطأة الحصار، في صراع ما بين البقاء والحفاظ على المسكن بكل ما يحمله من ذكريات ومعاني، أو الهروب إلى المجهول، والبحث عن حياة جديدة قد تنتهى مع أول خطوة خارج المنزل برصاص أحد القناصين الذين يترقبون أي شيء يتحرك بالشوارع ليقتلونه.

الفيلم تناول الجانب الإنساني للأزمة السورية بامتياز، لكن دون أن يعزلك عن حالة الحرب والدمار التي تمر بها البلاد، فعلى الرغم من تركز أغلب مشاهد الفيلم داخل بيت واحد فقط، إلا أن المخرج فيليب فان ليو، لم يعزلك كمشاهد عما يحدث بالخارج، ويشعرك بأنك في أجواء حرب حقيقية، طلقات هنا وتفجيرات هناك، وغارات ممتالية تخلع قلبك وتجعلك تشعر بمدى معاناة الشعب السوري.

العجيب أن تأليف القصة والإخراج كانا صناعة بلجيكية، وعلى الرغم من ذلك فأنت أمام تفاصيل دقيقة للغاية وكأن أحد اللاجئين السوريين الهاربين من الحرب هو من كتبها، أو على الأقل على دراية كافية بما يحدث هناك، ليقدم صورة معبرة بهذا الإتقان والصدق، وقد يكون مشاركة عدد من الممثلين السوريين في هذا العمل هو من أعطاه كل هذا القدر من الدقة والجودة في رسم التفاصيل.

من الأشياء التي قد تجدها مميزة أيضا في هذا الفيلم، هو عدم الانحياز لأي طرف سياسي على حساب الآخر، فمهما كنت مواليا أو مؤيدا لطرف دون الآخر في الأزمة السورية، فستشعر بمدى المعاناة التي يمر بها السوريون، خلال متابعتك لأحداث “insyriated”، فكل أعمال العنف والقتل لم يتم نسبها لطرف بعينه، وكان الأهم هو الجانب الإنساني للقصة.

لم تكن مهارة المخرج البلجيكي هي كتابة القصة أو إخراج الفيلم بهذه البراعة فحسب، بل في اختيار الممثلين بشكل جيد، فقد شارك في بطولة هذا الفيلم الفنانة الفلسطينية هيام عباس، بكل ما لديها من تاريخ فني مميز، حيث قدمت بشكل رائع صورة المرأة القوية والحازمة من الخارج، والتي تخفي خلفها ضعفا وخوفا وانكسارا. وهو ما قدمته بشكل رائع.

كذلك الفنانة اللبنانية الشابة دياموند بو عبود، والتي أبهرت بدورها لجنة تحكيم المسابقة الرسمية، وحصلت على جائزة أفضل ممثلة بمهرجان القاهرة السينمائي الدولي في الدورة 39. واعتقد أن ما يميز “دياموند” هو قدرتها على التواصل مع المشاهد من خلال تعبيرات وجهها ونظراتها، والتحكم الجيد في نبرات صوتها، وقد يكون هذا نتاج لدراستها للمسرح والذي يعتمد على التواصل مع الجمهور بلغة الجسد أكثر من المؤثرات الخارجية.

 

إيقاع الفيلم كان متزنا، فلا هو هادئ وممل أو بطيء، ولا هو منجرف للأجواء الحربية، ومتسارع للدرجة التي تربك المشاهد أو تزعجه، فقد استطاع صناع الفيلم من خلق حالة تشبه أمواج البحر، فتارة تعلو الأحداث وتتصارع الوجوه، وتارة يكون الحوار الإنساني والنفسي هو الغالب، وكأنك تستمع لمقطوعة موسيقية لشوبان، تمزج بين الشجن والحنين والألم والمتعة في آن واحد.

رغم مشاهدتي لعدد لا بأس به من الأفلام المشاركة بالدورة الأخيرة لمهرجان القاهرة السينمائي الدولي، إلا أنني لم أجد تفاعل من الجمهور مع مشاهد ولقطات مثلما لاحظت في فيلم “insyriated”، فحين تجلس بداخل القاعة ستسمتع فجأة لصياحات “ياااه اتقتل”، أو “الحمد لله طلع عااايش”، أو ترى وسط الظلام تشنجات وحركات لا إرادية من الجالسين أمامك، وكأنهم جزء من الحدث، وهذا دليل على أنك أمام عمل متكامل، ليس فقط للمشاركة في المهرجانات بل لدخول ذاكرة السينما..