علي حشاد يكتب: شادية.. قمر لا يغيب

من يومين فقط كنت استمع إليها، وهى تشدو “خايفة لما تسافر للبلد الغريب تنسى إنك فايت في بلدك حبيب”.. وها قد سافرتي سفرا بلا عودة إلى بلدك وموطنك الأخير –الجنة بإذن الله– وتركتي وراءك الملايين من الأحبة الذين ترعرعوا على صوتك، وعلى أفلامك فأضحكتيهم بشدة في “الزوجة 13″، و”مراتي مدير عام”، وأبكيتيهم بحرقة في “نحن لا نزرع الشوك”، وجعلتيهم يحبون ويعشقون وهم يشاهدون “أغلى من حياتي” أو يستمعون “وحياة عينيك”، وآنستيهم في غربتهم بـ “خلاص مسافر”، وفجرتي كل مشاعرهم الوطنية بأغنية “يا حبيبتي يا مصر”. من قال أنك قد رحلتي؟ فالفنانون مثل شادية لا يرحلون لأنهم محفورون في أذهاننا وقلوبنا للأبد..

نرشح لك: صورة: ظهور “ابنة ريا” في جنازة شادية

تلك الفتاة الجميلة ذات الوجه البشوش تعرف عليها الجمهور لأول مرة في فيلم “العقل في أجازة” مع الفنان محمد فوزي، ونجح الفيلم نجاحًا ملحوظًا وبدأت مسيرتها بأفلام خفيفة الظل، حتى جاء لها فرصة عمرها عام 1959 بدور “فاطمة” بفيلم “المرأة المجهولة” وفاجأت المخرجين، والنقاد بقدرتها على تأدية الأدوار الصعبة، ثم أحبها الجمهور في فيلم “اغلى من حياتي”، وأصبحت من بعدها قصة أحمد ومنى من أشهر القصص الرومانسية في تاريخ السينما المصرية حتى الأن.

هى الفنانة التي تحدت نجيب محفوظ صاحب جائزة نوبل في الأدب! وأصبحت بطلة روايته فقال عنها نجيب محفوظ قبل فيلم اللص والكلاب “شادية هى فتاة الأحلام لأي شاب وهى نموذج للنجمة الدلوعة، وخفيفة الظل وليست قريبة من بطلات أو شخصيات رواياتي”، وتحدته ومثلت فيلم “اللص والكلاب” عام 1962، أثبتت أنها قادرة على تأدية أدوار البطولة في روايته، و بعد فيلم زقاق المدق 1963، قال نجيب محفوظ عنها: “استطاعت أن تعطي سطوري في رواياتي لحما ودما وشكلا مميزا وشعرت لأول مرة أن الشخصية التي رسمتها على الورق أصبحت حقيقية من لحم ودم لتتحرك أمامي على الشاشة وكانت حميدة في زقاق المدق صورة لقدرة فائقة للفنانة، لا أتصور غيرها قادرا على الإتيان بها”، فهى استطاعات في سنة -سنة واحدة- أن تقنعه بموهبتها وتعاونت معه في”ميرامار” و”الطريق” حتى إنه كتب فيلم “ذات الوجهين” الذي عرض عام 1973خصيصاٌ لها.

نرشح لك: تفاصيل آخر لقاء إذاعي للفنانة شادية

من أقرب الشخصيات التي أدتها شادية لقلبي ” سيدة ” في فيلم ” نحن لا نزرع الشوك ” قصة يوسف السباعي” و ” فؤادة ” في فيلم ” شئ من الخوف ” قصة الكاتب الكبير ثروت أباظة فأداءها لتلك الشخصيات كان يفوق الخيال. و ختمت مسيرتها السينمائية بفيلم ” لا تسألني من أنا “سيناريو و حوار العبقري إحسان عبد القدوس.

“لأننى في عز مجدي أفكر في الاعتزال لا أريد أن أنتظر حتى تهجرني الأضواء بعد أن تنحسر عنى رويدًا رويدًا…لا أحب أن أقوم بدور الأمهات العجائز في الأفلام في المستقبل بعد أن تعود الناس أن يروني في دور البطلة الشابة، لا أحب أن يرى الناس التجاعيد في وجهي ويقارنون بين صورة الشابة التي عرفوها والعجوز التي سوف يشاهدونها، أريد أن يظل الناس محتفظين بأجمل صورة لي عندهم ولهذا فلن أنتظر حتى تعتزلني الأضواء وإنما سوف أهجرها في الوقت المناسب قبل أن تهتز صورتى في خيال الناس”.

نرشح لك: تشييع جثمان “شادية” ملفوفًا بعلم مصر

هكذا علقت شادية علي سبب اعتزالها، ويجب علينا أن نتذكر أن شادية لم تتبرأ من أعمالها بعد الإعتزال، ولم تتاجر بحجابها، واعتزالها يومًا فكان من الممكن أن تظهر في برامج حوارية أو حتى تقدم برامج دينية لكنها لم تقم بذلك فهى احترمت فنها، وجمهورها لذلك احترمها الجمهور، وأحبها، وقدسها، ولقبها بلقب “معبودة الجماهير”.

ظلت في خيالنا وهى تغني “حبك جنني يا اسمك ايه ” مع المدبولي في مسرحية “ريا وسكينة” التي اعتزلت بعدها، وتفرغت للأعمال الخيرية، ومساعدة الأخريين. لكن من قال إنها رحلت ؟! فالفنانين مثل شادية لا يرحلوا لأنهم محفورين في أذهاننا و قلوبنا للأبد.