أحمد فرغلي رضوان يكتب: "mother".. الخيال السينمائي بلا حدود!

كما كان متوقعًا وأكثر، جاء فيلم المخرج دارين أرنوفسكي الجديد “mother ” مفاجيء وغريب لدرجة أزعجت الجمهور مما كان له إنعكاسًا سلبيًا على تقييمهم فجاءت الآراء متفاوته ما بين أقصى النقيضين! ما بين رائع وسيء ولكن في النهاية يبدو أن المخرج مقتنع بالفكرة التي تحمس لها وكتبها وأخرجها رغم غرابتها الشديدة. الأحداث كلها تدور داخل منزل زوج وزوجة الزوج شاعر مشهور وله مريديه ولكن إبداعه توقف والزوجة ملهمته تحاول مساعدته!

تحليلات كثير من الجمهور أن المقصود بالزوجة هي الأرض والزوج هو “الله”، بالطبع mother من الأفلام التي لها مستويات مختلفة للفهم وأكثر من تأويل وتفسير، لدرجة أن بطلته الثانية “ميشيل فايفر” اعترفت أنها لم تفهم النص بعد أن قرأته لأول مرة!

المخرج دارين ارنوفسكي كما هو في جميع أعماله يفاجئك بأفكار غير تقليدية وغريبة وفي هذا الفيلم يعتمد على الدراما النفسية ويبني التوتر ببطء وفعالية منذ بداية الأحداث حتى يصل التوتر لدى جميع من في صالة العرض مع النهاية، في مشهد صعب إخراجيًا بعد أن تحوّل منزل الزوجين بفعل مريديه إلى فوضى عارمة استدعت تدخل قوات مكافحة الإرهاب! ولكن وبالنسبة لي هو فيلم جيد جدًا يدعو للتفكير والتأمل هو حكاية مجازية! تعبر عن فكر دارين ارنوفسكي والذي كشف أنه كتب القصة في خمسة أيام فقط !
 
وفي سيناريو الأحداث الكثير من الرموز “شخصيات العمل بلا أسماء” والألغاز التي تجعل المشاهدين في حيرة شديدة، الفيلم يعتمد طول الأحداث على تحفيز المشاهد وجعله متوترًا طول الوقت بشكل نادر ما يحدث في سيناريو فيلم سينمائي ولكن قدرة الممثلين على الأداء “الرائع” مع القدرة الفائقة للمخرج وحركة الكاميرا وزوايا التصوير تجعلك تحبس أنفاسك حتى نهاية الفيلم! وتظل في حيرة مستمرة والبحث عن تفسيرات للأحداث والشخصيات، فريق التمثيل تفوقوا جميعًا، جينفرلورانس، خافييربارديم‘ميشيل فايفر، إد هاريس.
 
ويعتبر الفيلم اختبارًا جديدا للموهوبة وأحد أمهر نجمات هوليوود حاليا “جينفر لورانس” فهي محور الأحداث والكاميرا معظم الأحداث تقترب من وجهها المعبر وبالفعل نجحت بشكل كبير في التعبير عن مشاعر الخوف والقلق بعينيها وتستحق جائزة عن هذا الدور وقالت أن تجسيدها لهذه الشخصية ساعدها على اكتشاف أجزاء جديدة من نفسها، ومعها أيضا بارديم وفايفر وهاريس، قدموا جميعًا مباراة رائعة في الأداء التمثيلي الرفيع لجميع الشخصيات.
 

الفيلم يتحدث بالطبع عن صراع البشر عبر التاريخ وتدميرهم لـ”الأرض” الأم التي لم نحافظ عليها كل ذلك حاضرًا بقوة في رموز الفيلم خلال الأحداث المرعبة “نفسيًا” وتكتشف في النهاية إن الرعب الوحيد في هذا الفيلم هو حقيقة تدمير البشرية للكوكب، و”الدين” تسبب في العديد من الصراعات التاريخية في جميع أنحاء العالم، في مشهد الفوضى العارمة والذي صوره المخرج ببراعة شديدة وكأنه حال كوكب الأرض الآن فوضى وصراعات في كل مكان! بالعمل الكثير من الرموز سياسية ودينية وإجتماعية.
 
وممكن أن يتم الحديث في مستوى أخر لفهم الأحداث عن المبدع وعلاقته بملهمته فهو يأخذ كل ما بداخلها من مشاعر وأحاسيس حتى تنتهي ويبحث عن ملهمة جديدة ويكرر التجربة وهنا ممكن جدًا أن تجد نفسك اذا كنت قريب من أوساط المثقفين تتذكر أمثلة كثيرة عن ذلك النوع من المبدعين! وجسد شخصية الشاعر بحرفية شديدة “خافيير بارديم” فحافظ على مشاعره الهادئة طول العمل وفي جميع المواقف حتى زوجته وطفله يفتك بهما الغوغاء داخل المنزل!
 
كثير من الجمهور شعر بالإحباط لعدم وجود تفسيرات بسيطة عن الرموز داخل الفيلم ولذلك كانت إيراداته “مخيبة” للشركة المنتجة رغم أسماء صناعه اللامعة ولكنه بالتأكيد ليس فيلمًا للجمهور العام، في النهاية هو فيلم “مربك” فكريًا.