حسام حسين يكتب: يوتيوب الحرائق

كنت أستطيع أن أفهم السر الكامن خلف الأسماء التجارية للأفلام، كي تصبح جاذبة ولافتة، تدفع بعشاق السينما للمشاهدة. أسماء لا يوجد قرينة على تحقق جزء منها في الأسم الأصلي للفيلم. والذي كشفت عنه فيما بعد مواقع السينما على الإنترنت.

كان هذا هو المطب المُشكل وأنا أبحث كي أشاهد أفلام تنتمي لزمن مراهقتي وعنفواني وشغفي بالسينما. بيد أن ما أشاهده على المواقع، وخاصة اليوتيوب. قد جعل من حياة رجل متوحد مثلي فيلم رعب أو يكاد. فأنا يقينا أشاهد الحرائق وما ينتج عنها من رماد ودمار. أعيش يومي بين الرد الناري والمداخلة النارية، والتعليق الناري. وأحيانا أصادف الرد غير المتوقع، والرد المزلزل والمُرعب، وقصف الجبهات.

في حقيقة الأمر لست مشغولا بالربط بين مقاطع الفيديو، وما يروَّج على ضوءها من إعلانات تهدف للربح، لكن فقط أسأل: إلى أي مدي يمكن أن نستخدم لغة كهذه نعنون بها ما نعرضه. ولاسيما أن أبعد من المداخلة البركانية والاتصال الناري؛ نجد مفردات قد صارت كأقدار الله تهبط علينا وليس لنا يد في دفعها: فضيحة/ كارثة/ حزن/حسرة/شماتة/ انفعال/ غضب/خرافية/ مدمرة. مع سلسلة متصلة من الأفعال على شاكلة: يولع/ يدمر/ يفضح/ يسب/يشتم/ يحرق/يحطم/ يكسّر/ يهين/ يفجـِّر/ يطرد/ ينفعل/يصرخ.

الغريب إننا حين نستمر في عرض الفيديو لا نرى ناريا ولا خشبيا. ولا نصادف خرافيا أو مزلزلا. بل وأشعر أن هناك ثمة مؤامرة لترسيخ الأكاذيب والأهوال الوهمية. وبث كرات الصابون التي يلقيها علينا حفنة من الدجالين يفتقدون للبراءة.

من زاوية أخرى أكثر شجنا، ومع تنامي ظاهرة الطيور المهاجرة للدوريات الأوربية من لاعبينا المحترفين. ظهر على أثرها مقاطع فيديو تحرك الدموع في عيني. فمن فرط فرحتنا إنهم هناك. أنتجوا لنا مقاطع تحت عنوان ( ملخص لمسات). ولست أدري هذا العبقري الذي أحصى لنا اللمسات عدّاً، ولم يتبق لنا غير الهمسات والنظرات واللفتات، والصمت الرهيب.

قلت مرارا إن هذه الشاشة قد قتلت فينا شرف المواجهة. خلقت مجتمعا من العميان ينقصهم الخجل. فلا مرجعية من أخلاق، ولا واعزٍ من ضمير. لذا لم تبرح السوشيال ميديا ما كنت أسوقه في حقها من اتهامات. كونها منصة ينقصها في كثير من الأحيان الأدب. ولست أدري على المدى المنظور من يستطع أن يحمينا هذا العبث الذي يقتحم حياتنا، فيجعل من الواقعي والافتراضي على هذا القدر من الرداءة.