علي عبد الرحمن يكتب: أسباب انهيار الصحافة الفنية

سادت في الآونة الأخيرة حالة من الهجوم الشديد على الصحافة الفنية، سواء كانت المقروءة أو المسموعة، اتهمها البعض بالفبركة وعدم الالتزام بالمهنية؛ وربما يعود السبب إلى استسهال بعض الزملاء في بلاط “صاحبة الجلالة”، وعدم تحري الدقة حول بعض الأخبار التي يتم نشرها في المؤسسات الصحفية، بالإضافة إلى البحث عن ما يسمى بـ” الترافيك والشير” بالمصطلح الدارج، دون الاهتمام بالمضمون الذي يفيد القارئ والمتلقي.

وأصبح معظمنا يبحث عن الأخبار المثيرة للجدل والدخول في الحياة الشخصية بطريقة جافة دون مراعاة آدمية وحرمة الحياة الخاصة وما يمكن أن نسببه للغير من أضرار في “السمعة”.

الصحافة التي تعلمناها هي مهنة حقيقية تقدم رسالة مقدسة، حيث أنها مرآة لنقل الواقع، وليست تجارة ولا شعارات تتغير بمرور الزمن، وعقل له هدف وغاية، وهي صوت يخاطب العقول ويجعل الأمور بطريقة صحيحة نصب أعين القارئ، ومن أهم واجبات الصحافة نقل الأخبار والأحداث دون تحيز شخصي مع احترام الحقائق، ونرتبط بقانون الصحافة الأخلاقي وأن نلتزم بهذا في ظل ما نقدمه من توجيه ونقد وتقويم وعرض، مع قيَّم المجتمع وعاداته وتقاليده، وأن تكون المادة المعروضة تتفق مع الثقافة الشائعة، والمعتقدات الدينية والمعايير الأخلاقية. ببساطة شديدة الصحفي مرتبط بهذه المعايير.

دعونا نرصد أهم أسباب هبوط أسهم الصحافة الفنية، ومنها تداخل المصالح بين الصحفي والفنان مما يؤثر على مصداقيته وحياديته تجاه من يعمل معه والإشادة بفنه مهما أصاب أو أخطأ.

اتجاه الصحفي للحصول على الأخبار من مواقع التواصل الاجتماعي والصفحات الرسمية للفنانين والاكتفاء بالبيانات الصحفية التي تصدر من مكتبه الإعلامي مما أثر بالسلب علي جودة المحتوى الإعلامي المقدم للقارئ.

عرف المشاهير أن استمرارهم مرتبط بالصحفيين لذلك قاموا بجمع بعض الصحفيين حولهم “القبيضة”، هؤلاء مجموعة سخرت أقلامها لخدمة النجم الذي تربطهم به المصلحة.

غياب التخصص، في الماضي كان صحفي الفن ناقدا بارعا يعرف أصول المهنة وأساسيات الصناعة، أما الآن فلم يعد الأمر كذلك فلا يستطيع الصحفي التمييز بين الأصوات الجميلة أو العادية أو حتى القبيحة، وقليلاً ما تجد صحفيا في الفن يعلم أسماء الكادرات السينمائية أو أساسيات السيناريو أو الفرق بين الفيديو “الدراما والسينما”، ولو سألته مثلاً عن شادي عبد السلام، ستجده لايعرف عنه شيئَا وتحول النقد العلمي إلى مجرد انطباعات شخصية تحكمها الأهواء والمصلحة.

وعلى الصعيد الآخر، لا نجد أي مبرر لهجوم الفنانين على الصحفيين، وإذا كنا نعترف ونحن أبناء المهنة أننا لسنا ملائكة ضلت الطريق إلى دنيا البشر، ويجب على الفنانين الإعتراف بأنهم بشر يخطئون ويصيبون، فلا مبرر لهجوم الفنانين على الصحفيين، من حين إلى آخر.

وأخيرا في بلاط صاحبة الجلالة علينا الاعتراف بأنها تضم نجوما يملكون رصيدًا كبيرًا من الكفاءة والأمانة الصحفية، لا يجب الترويج دائمًا بأننا صحفيون للبيع؛ لأن الأغلبية قرروا منذ أن نشأت العلاقة الحميمة بينهم وبين القلم أن يكون ولاؤهم للقيمة قبل المادة وللشرف قبل المجد الزائف.. يرحل الجميع عن عالم الأحياء ولن يبقى في ذاكرة القارئ إلا الشرفاء.