الدروشة الإلكترونية.. في عصر السنن الكونية

محمود المصري

ترعرعت منذ الصغر على مقولة “الشعب المصري متدين بطبعه”، مع مرور الوقت اكتشفت أنها مجرد “شعارات جوفاء” كغيرها من الجمل التي نطلقها للهروب من الواقع المؤسف للغاية. نعم، نحن بلد “الأزهر الشريف”، منارة العلم والتنوير والوسطية. يأتي إلينا من جميع أنحاء العالم طلاب العلم ليدرسوا ويتفقهوا في أمور الدين، وينقلوا العلوم الشرعية إلى أوطانهم، وهم يفتخرون بدراستهم في مصر.

لكن دعونا نتكلم بالعقل والمنطق بعيدا عن التعصب والاستقطاب والشعارات.

ما هي مظاهر التدين التي يجب علينا أن نفتخر بها وسط الأمم؟

مصر من أوائل دول العالم في التحرش الجنسي.

مصر من أوائل دول العالم في معدل الطلاق.

مصر من أوائل دول العالم في الفساد والرشوة.

مصر من أوائل دول العالم في حوادث الطرق.

مصر من أوائل دول العالم في البحث عن كلمة “sex” على جوجل.

دعونا مما سبق؛ ربما هي إحصائيات مغلوطة لدول تتآمر علينا!

أحدثكم عن الأخطر مما ذُكر وهو واقع نعيشه يوميا على وسائل التواصل الاجتماعي.

أنقل لكم تجربتي الشخصية لما يسمى “الدروشة الإلكترونية” وعلاقتها بالتدين الزائف.

تأتيني يوميا مئات الرسائل على ماسنجر “فيس بوك” و”واتس آب” من الأصدقاء؛ رسائل متنوعة مضمونها عن ذكر الله، والحث على مكارم الأخلاق والفضيلة. شيء جميل ورائع أن تبدأ يومك بذكر الله وأن نُعين بعضنا على ذكر الله والحث على مكارم الأخلاق. لكن الغريب والغير مقبول والذي يصل إلى “البدعة المحرمة” كما وصفها مفتي المملكة العربية السعودية، هو انتهاء الرسائل بتهويل أو ترغيب أو تضليل ليس له علاقة بالإسلام بل يسيء له.

لا أفهم أو أستوعب من يرسل رسالة بها ذكر الله وتنتهي بكذب وتضليل، عندما يقول فيها: “أرسلها لـ 20 شخصا أو أي رقم وسوف تسمع خبرا مفرحا عن تجربة وأقسم بالله إني صادق وإن لم ترسلها ستنهال عليك اللعنات والغضب من الله!!!”.

أصبحت لا أهتم بتلك الرسائل كثيرا وأتجاهلها بعد أن قمت بنشر بوستات للتوعية على حسابي ونقل نص فتوى مفتي المملكة العربية السعودية، لكن ما يحزنني ويثير القلق هو تداول المثقفين لتلك الرسائل فيما بينهم، والأخطر من ذلك عندما تتناقش مع أحد منهم للنصح ولإخباره أن ما ترسله بدعة لا أساس لها في الدين، فيقول لك “يا أخي فلنتعامل بالنوايا أنا لم أرتكب جريمة سوى أنني أُحثك على ذكر الله!!!”. عند المناقشة معه وتوعيته أن الإسلام ليس دين مزايدات أو تهويل أو ترغيب تجده لا يتقبل الكلام ويقوم بعمل بلوك، أو المقاطعه لمجرد أنك تنصحه!!!

نعم، ويشهد الله على ذلك، أنني تكلمت مع الكثيرين بهدوء وبموضوعية وبالأدلة، أن تلك الرسائل لا أساس لها في الدين، مع الاستناد لفتوى السعودية مع إسناد العقل في ذلك، ولكن الأغلبية لا تتقبل النصح!!!

من العجيب في ذلك الأمر، أن أغلب من يتداولون تلك الرسائل فيما بينهم لا يقرأونها، ومنهم من لا يعمل بما فيها من نصح وإرشاد. نعم، أتذكر أحد الأصدقاء -بل هم كثيرون- يتعاملون مع تلك الرسائل كـ “الإنسان الآلي”، دون أي تفكير أو إسناد للعقل، لدرجة أن أحدهم أرسل لي رسالة عن الزواج وفي نهايتها صور جنسية، وهو بالطبع لم يشاهدها ولكنه أرسلها بناء على العنوان: “السعادة الزوجية في الإسلام”!!!

من مظاهر التدين الزائفة الأخرى على وسائل التواصل الاجتماعي، والتي أصبحت فجة وغير مقبوله، هو الانشغال بالتصوير والمراسلات وقت أداء مناسك “العمرة والحج”، وما يسمى بـ”سلفي”، فكثرة الانشغال بالإنترنت يوقع الحج في اللغو والرياء وهي من المحرمات وتؤثر على ثواب الحاج وعلاقته بربه. وقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: {الحج أشهر معلومات فمن فرض فيهن الحج فلا رفث ولا فسوق ولا جدال..}.

الإسلام دين معاملة، والإيمان يتجسد بمحاسن الأخلاق والقيم الحميدة الراقية. أين نحن الآن من تلك المعاني السامية والآداب الراقية؟، وقد اكتفينا في ديننا بثوب ولحية وعذبة وعمامة وترديد آيات وأحاديث وشعارات لم نعلم عنها غير الحروف والرسوم والأشكال؟.

“الدروشة” مصطلح مشتق من اسم “درويش” الذي كان يُطلق على بعض منتسبي الطرق الصوفية ممن يتجنون على الإسلام بتخاريفهم التي لا أساس لها في الدين والسنه النبوية. وتعريفي الشخصي لهذا المصطلح هو: من يفتي بدون علم ومن يدعي التدين ظاهريا، وهو في الحقيقة منافق ويحمل تناقضات كثيرة في شخصيته، ومن يبالغ في أمور الدين -كالدعاء ليل نهار على أمريكا وأوروبا، والشماته في العمليات الإرهابية التي تتم على أراضيهم، ظنا أنه انتقام الرب منهم، ويدعوا إلى نصرة الإسلام ضدهم، وفي نفس الوقت يتمنى الحصول على الجنسية الأمريكية أو جنسية أي بلد أوروبي، كي ينعم بالرفاهية والخدمات التي يحلم بها، والديمقراطية بصورها المختلفه.

السنن الكونيه، سنن قائمة في الأرض، لها وظائف معينة لا يمكن تغييرها إلا بأمر من الخالق (وهنا تسمى المعجزة)؛ وعلاقة الدروشة بالسنن الكونية هي علاقة طرديه مع المنهج العلمي الصحيح وتحكيم العقل والقلب في أمور كثيرة.

الإسلام ليس دين مزايدات أو تهويل أو تدين ظاهري زائف وزائل، لكنه دين أخلاق وقيم ومبادئ، تم ترسيخها من خلال تعاليم سمحة وأسس مبنيه على طاعة الله واحترام الآخر. وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”، صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الأخلاق هي عنوان الشعوب، وقد حثت عليها جميع الأديان السماوية ونادى بها المصلحون؛ فهي أساس الحضارة وارتقاء الشعوب ووسيلة للمعاملة فيما بينهم.