في حب عم "نبيل الحلفاوي"

عبد الرحمن جاسم

قد لايكون مسلسل لأعلى سعر، أفضل مسلسلٍ هذا العام، لكن لايمكن لأحد أبداً إغفال الإداء الكبير الذي لعبه الرائع نبيل الحلفاوي في المسلسل وفي رمضان الفائت (وأي وقتٍ يعرض فيه المسلسل لمن لم يشاهده بعد). لايكمن الأمر في الدور الذي أعطي للحلفاوي، بل في الطريقة التي يؤدى بها الأمر، الحلفاوي الذي يذكرك بطينة الممثلين الكبار، يمكن اعتباره واحداً من جماليات مسلسلات هذا العام. لربما يعتقد البعض أنه بعد انتهاء شهر الصيام، وموسم المسلسلات فإن الحديث عن هذه المسلسلات سيخفت، ولكن لأن النقاد بشر، ولأنهم لا يستطيعون –إلا إذا قاموا باستنساخ أنفسهم- مشاهدة جميع المسلسلات، فإنهم سيلجأون لمتابعة كثيرٍ منها بعد انتهاء الشهر الفضيل.

يأتي “لأعلى سعر” واحداً من تلك المسلسلات التي فوجئتُ بها. طبيعة المسلسل القائمة على متناقضاتٍ كثيرة تجعله جيداً إلى حد ما. هو ليس خارقاً، لكن إداء بطلتي العمل نيللي كريم وزينة المتوازن إلى حدٍ كبير (رغم بعض “الأفورة” من زينة، التي مثلاً لا ترتدي “بيجاما” في كل لحظات وجودها في المنزل، وترتدي الكعب العالي حتى في غرفة النوم، وهو أمر أغرب من استيقاظ الممثلات من النوم وهن “full makup، فضلاً عن تعبير “إنت عارف إنك أغلى حاجة في حياتي” المستهلك المتكرر(. حقيقة وفي حرفة الأمر، لعبت زينة دوراً جيداً؛ وهو أمرٌ يحسب لها خصوصاً بعد أن كانت في الفترة الأخيرة قد أنهكت روحها –والمتابعين- بأخبار حياتها الشخصية فحسب.

نيللي كريم بدورها كالعادة “نجمة”؛ موزونة وجميلة ويمكن المراهنة عليها، على الرغم من إصرارها خلال الأعوام الفائتة على “الكآبة” و”الحزن” و”الغم” في أدوارها –ولا أحد يعلم لماذا، ولا من أقنعها أن هكذا تظهر قدراتها الفنّية-. بالعودة لعم “نبيل” (أو عم مخلوف في المسلسل، مع أنني أستغرب الإسم الذي أعطي له والذي لا يتناسب مع شخصيته، لكن لا مشكلة)؛ أدى الممثل الكبير المولود في العام 1947 في حي السيدة زينب، إداءاً يذكرنا بالنجوم الكبار، هذا الأمر ليس غريباً عليه، فمن ينسى دوره في “زيزينيا” مثلاً؟ طبعاً لن أتحدّث عن إداءه في الطريق إلى إيلات، إذ بوجهة نظري رغم أنه كان جيداً، لكن الشخصية التي نتحدّث عنها اليوم هي ليست ذاتها. لقد نضج الحلفاوي إلى حدٍ كبير، أصبح يستطيع وحده أن يكون “بيضة” القبّان. أصبح الحلفاوي من صنفٍ خاصٍ من النجوم، صنفٍ يستطيع تسيير الأمور كما يحب. كانت شخصية الحلفاوي (لا عم مخلوف) هي التي تسيّر أحداث “لأعلى سعر”، لقد بدا أشبه بالقدر في المسرحيات الإغريقية. كل شيءٍ يسير كما يريده فيما هو هادئٌ هانئ لايريد من هذه الحياة شيئاً.

أكثر من هذا بدا شكل الحلفاوي الذي يحاكي فكرة “العادي/اليومي”، إنه لايمتلك وسامة دون جوانات السينما المعتادين، الذين حتى في سني عمرهم المتأخرة حافظوا على ذلك، لكن مع هذا فإن شكله هذا أعطاه “حداً” ولوناً خاصاً جعله يشبه كل الرجالات الكبار في عوائلنا. أضف إلى أنَّ الدور في “لأعلى سعر” لم يأتِ بغريبٍ عنه أو عليه، بدا الرجل حكيماً حتى ولو لم ينطق، لكن في الوقت عينه بدا صاحب مزاج، موسيقياً وفناناً، والأكثر من هذا لديه “أخلاق”. كل هذا قد يعتقد من لم يشاهدوا المسلسل أنهم أمام قديس، الأمر ليس كذلك أبداً، فالرجل يدخّن الحشيش، وترك أطفاله في لحظةٍ ما، أضف إلى أنه تراوده أفكارٌ خاطئةٌ كثيرة. إنه التناقض الجميل، الذي لم يكن لينفع أن يؤديه أحدٌ إلا الحلفاوي بحد ذاته. هنا تبدو أهمية عم نبيل الذي لايشبهه أحدٌ –حتى اللحظة- ضمن مسلسلات هذا العام.

كان ملاحظاً في الشخصية كما في الدور أنَّ الممثل الكبير وخريج قسم التمثيل في المعهد العالي للفنون المسرحية (العام 1970) يستعيد شيئاً من ألقه الكبير خصوصاً أن السينما المصرية تحتاج حالياً هذا النوع من المؤدين الخارقين للمعتاد. هناك جيلٌ جديدٌ فتي يمتلك مواهب كبيرة، هذا أمرٌ لا لبس فيه، لكن يحتاج هؤلاء إلى أيدٍ حانية ماهرة تدفعهم إلى الأمام بهدوءٍ وأناة، ليس فقط من خلال التشجيع، بل من خلال العرض المباشر.

ممتعٌ عم نبيل، ضروري هو الحلفاوي. لأن السينما لا تزدهر بنجم شباك تذاكر، بل بالعمل ككل، ومن يعتقد خلاف ذلك، لايرى السينما كعملية استمرارية، بل يراها تسليةً فحسب.