أحمد فرغلي رضوان يكتب: الأصليين.. سؤال سينمائي عن سياسة "التدجين"

يجب أن تضع في اعتبارك وأنت ذاهب لمشاهدة فيلم “الأصليين” أن تصفي ذهنك بقدر الإمكان لتحاول التفكير والتأمل فيما يحمله الفيلم من أفكار ولذلك هو غير مناسب لجمهور العيد، الذي يرغب عادة في مشاهدة الأعمال الكوميدية أو الأكشن، ولكن رب ضارة نافعة “للأصليين” فهناك كثير من الجمهور كان يذهب لمشاهدة فيلم بعينه، وعندما لم يجد تذاكر يتم تحويل رغبته لفيلم الأصليين فحقق إيرادات مرضية جدا بالنسبة للفيلم.

ممكن إعتبار الفيلم في أحد مستويات فهمه إنه يتحدث عن سياسة “التدجين” للمواطنين والمصطلح المذكور يعرفه جيدا المثقفين المصريين لأن “ازدهر” في عصر نظام حكم الرئيس الأسبق مبارك وارتبط بالنخبة والمثقفين بعدما استخدم تلك السياسة وزير الثقافة الشهير فاروق حسني ونجح في تدجين “تليين وتطويع” كبار المثقفين لسنوات طويلة فدخلوا الحظيرة وتم السيطرة على أفكارهم! وأصبحوا مواطنين داجنين لصالح السلطة  ولذلك مشهد الدجاج في السوبر ماركت في بداية أحداث الفيلم والذي يشير إلى تشبيه المواطنين بالدجاج وكذلك حوار مشهد الختام بأن المواطن مثل الدجاجة داخل حظيرة تظل تحاول الهروب طوال حياتها ولكن في الحقيقة جميعنا تحت سيطرة جهة ما تظهر وتختفي وقت ما تشاء وتدير الأمور وهي جهة غير متعارف عليها كما أشار لها خالد الصاوي إنهم “حراس الوطن”إنهم الأصليين! وطوال الأحداث ينتقل الفيلم من فكرة لأخرى مما يزيد من علامات الإستفهام حول ما يريد أن يقوله الفيلم، من رصد للحالة المعيشية الحديثة التي وصلت لها كثير من الأسر المصرية الأن وأصبحت إستهلاكية وتأثير وسيطرة التكنولجيا عليها وصولا للوحدة الوطنية وإنتهاءا بالبحث في حضارتنا الفرعونية العظيمة بعد أن فقدنا الخيال والتفكير! ومن بين الأسئلة التي يطرحها العمل وتأتي لذهن المشاهد هل البشر كائنات حرة الإرادة أم أن هناك قوى عليا تحدد لها مسارتها وتتحكم بكل خطواتها بهذه الحياة ؟ نهاية الفيلم تقول انك ستظل مراقب مثل الدجاجة داخل الحظيرة!وبالطبع تنتشر سياسة التدجين في المجتمعات العربية بشكل مزدهر جدا!

ولذلك مشكلة المشاهدين مع الفيلم الغموض المستمر والمتصاعد بالأحداث والذي لا ينتهي بنهاية الفيلم! وستجد الأغلبية من الجمهور لم يستوعبوا هذا العمل السينمائي رغم إنبهارهم باخراج الفيلم وعناصره الفنية “المتميزة” ومستوى الصورة وتكوينات الكادرات والديكور “العالمي” وأيضا التمثيل “الجذاب” لجميع أبطاله ليؤكد مرة أخرى في هذا العمل مروان حامد انه واحد من أهم مخرجي السينما المصرية والعربية الحالية.

جرعة الفلسفة والعمق الفكري التي بالفيلم لا تناسب شاشة السينما وجمهورها وكان من الأفضل أن يستعين الروائي أحمد مراد بسيناريست ليشاركه كتابة هذا العمل “الصعب” لأن السيناريو هو أضعف حلقات “الأصليين” وجعل المشاهد يخرج فاقدا جزءا كبيرا من المتعة السينمائية وأيضا الحوار وتحديدا “منولوجات” منة شلبي ثقيلة على مشاهدي السينما وما أشبع رغبات عشاق السينما كما ذكرت الصورة وتكوينات الكادرات “الرائعة” للمخرج ومعه مدير التصوير أحمد المرسي ومهندس الديكور محمد عطية وأيضا مونتاج أحمد حافظ.

كلنا سمير عليوة

باختصار نموذج المواطن “الداجن” سمير عليوة “ماجد الكدواني” يرمز لقطاع كبير من الشعب فهو الموظف المصري الذي ينتمي للطبقة المتوسطة ويعيش حياة عادية مع زوجته وأبناءه وفجأة تنقلب حياته رأسا على عقب بعد أن يختاره “الأصليين ” أو حراس الوطن لمهمة ويبدأ الفيلم في الإشارة للأصليين والذين ممكن أن تفهم انهم جهة سيادية “خفية” غير تلك الاجهزة التي نعرفها تتحكم في كل شيء وتراقب كل شيء لدرجة أنهم يراقبون 50 مليون من أصل 54 مليون مصري يجب مراقبتهم وهنا تأتي جملة ساخرة على لسان سمير “أنتم جايبين شعب أخر يراقبنا”! وتبدأ تسأل نفسك من هذه الجهة التي تملك شركات وأموال وتتحكم في كل شيء وتصل لغرف نومك ولديها سجل تاريخك بالصور!لن يجيبك الفيلم وسيترك خيالك تعرف من المقصود بحراس وحماة الوطن! الذين يمثلهم خالد الصاوي ممثل”الأصليين” أو مسؤول “التدجين” في الفيلم ويظهر مرة كصوفي متدين يحضر حلقات الذكر في المساجد وأيضا وطني يذهب لموالد المسيحيين والتي صورها المخرج في مشهد فني بديع وجديد على السينما، وهو هنا بالطبع رمز صريح للسلطة التي تتحدث بلسان الوحدة الوطنية طوال الوقت.

وفجأة تظهر شخصية “ثريا جلال” منة شلبي الباحثة في الحضارة الفرعونية ” لم يوضح الفيلم تفاصيل عنها رغم أنها محور الحدث الرئيسي للفيلم والتي سيكلف سمير بمراقبتها وتعطينا محاضرات عن فوائد “زهرة اللوتس”، وقوانين أجدادنا الفراعنه التي لو أستخدمناها ستبعدنا عن الفوضى، ولذلك السيناريو في النصف الثاني من الأحداث به “حشو بلا داعي” مثلا لماذا جاءت شخصية صديق ثريا خلال الأحداث في مشهدين ليس لهما أي ضرورة درامية وكانا بمحادثات عبر الهاتف دون لقاء مباشر وهي سمة النصف الثاني من الأحداث عكس النصف الأول الذي حمل قدرا من التشويق الدرامي الجيد والتقديم لشخصيات العمل، ولكن رغبة الكاتب في إضفاء المزيد من الغموض جعلت الخطوط الدرامية للشخصيات غير واضحة  ومكتملة، كذلك سهولة تخلص سمير من الأصليين كان غير مقنع ولماذا تركوه يهرب منهم بكل هذا السهولة بعد أن عرف قدرا من أسرارهم!

ممن مميزات فيلم “الأصليين” عنصر التمثيل ماجد الكدواني جسد باقتدار نموذج المواطن “الموظف النمطي” الخاضع لسطوة ورغبات زوجته الإستهلاكية والتي جسدتها بحرفية تمثيلية واضحة “كندة علوش” فكانت نموذج للزوجة المصرية بكاركتر خفيف الظل اما خالد الصاوي فالفيلم يتسق مع أفكاره وأجاد لعب شخصية مندوب “الأصليين” فأعطاك إحساس الشخصية الغامضة ولكن بشكل ساخر وكانت مشاهده أمام ماجد الكدواني ممتعة للمشاهد،أما “منة شلبي” بمجرد ظهورها كسرت الملل الذي كان قد بدأ يتسلل للمشاهد بحضورها الكبير  ورغم صعوبة الشخصية وحوارها “المنولوجات الفلسفية” لكنها كانت مفاجأة بأدءها المتقن والجذاب لهذه المشاهد وهي الأن أبرز ممثلات السينما المصرية الحالية وتحقق خطوات جيدة جدا ولذلك عليها التركيز في السينما وتتخلى عن الدراما التليفزيونية لفترة حتى لا تستنزف نفسها وموهبتها في المسلسلات.