كريم فرغلي يكتب: أصالة والكوكايين.. براءة أم تورط أم فبركة؟

“كوكايين يا أصالة ؟!” – “مش ممكن أصالة تعمل كده”؛عينة من ردود الأفعال التي اجتاحت مواقع التواصل الاجتماعي تعليقًا على خبر توقيف المطربة أصالة في مطار بيروت بتهمة حيازة مخدر الكوكايين.. الرواج الشديد لمثل هذه الأخبار حول أنصاف المشاهير شيء متوقع ، فما بالك وبطلة الخبر إحدى نجمات الصف الأول في الغناء العربي وليس المصري فقط.. الملفت بالنسبة لي سواء في ردود أفعال الشامتين فيها أو المدافعين عنها هو هذه الرؤية الحادة التي تبالغ في إضفاء ظلال من المثالية تصادر قابلية الفنان للخطأ و تنزهه من نقاط الضعف أو المطالبات في المقابل بعقوبات تفوق كثيرًا ما حددها القانون جزاء لهذا الخطأ.

هل أرجح كفة اتهام أصالة؟ أو “بلف وأدور” حول حقيقة إن كلنا بنغلط؟..

إجابتي بوضوح: لا هذا و لا ذاك.. فأنا لم أتواجد في مطار رفيق الحريري لحظة توقيف الفنانة ولا أستطيع ادعاء امتلاكي لأدلة تؤكد صحة الاتهام أو تفند ملابساته، كما أنه من غير المقبول تصدير تجربة المخدرات بنفس بساطة الحديث عن آيس كريم ميجا الجديد، لكن في الوقت نفسه وبشكل عام وبعيد عن أصالة، تقول الوقائع إن كواليس حياة الفنانين لا تقل صخبًا عن ما يظهر منهم للجمهور أمام الكاميرات أو على خشبات المسرح.. بل إن حدة هذا الصخب تتناسب طرديا مع حجم النجومية والموهبة.. راجع مثلًا تفاصيل الحياة الخاصة لإديت بياف أعظم مطربات أوروبا و العالم بدءًا من إدمانها الخمر والجنس وصولًا لإصابتها بالاكتئاب في أواخر أيامها.. بيلي هوليداي مطربة الجاز الأمريكية الكبيرة التي أدمنت المخدرات بسبب الفقر و الاغتصاب.. داليدا.. ويتني هيوستن.. جورج مايكل.. علم النفس يقول إن الخواء الروحي والوحدة والرفاهية من أهم أسباب لجوء الفنانين للمخدرات، لكن الملفت أن الأعمال الفنية التي تناولت سير الفنانين الكبار مثل فيلم داليدا أو الحياة وردية عن إديت بياف أو Lady Sings the Blues عن بيلي هوليداي تطرقت بشكل مباشر لتفاصيل حياتهن الخاصة وانحرافاتهن الشخصية على اعتبار أنهن بشر في النهاية ومع ذلك لم يتم الهجوم على صناع العمل أو يطالب أحد بستر نقاط ضعف أبطالها الإنسانية من باب عدم المجاهرة بـ “المعصية” مثلما اتهم البعض أحمد الفيشاوي بعد اعترافه بتعاطي المخدرات في حواره الشهير مع سمر يسري رغم استدراكه قائلًا: “ما أنصحش حد إنه يعمل كده”، دون أن يؤدي استدراكه إلى تراجع السكاكين غير المصغية لما قد يثنيها عن ذبحه، متجاهلة عنصرين مهمين في رأيي؛ أولهما سياق الاعتراف، فالرجل لم يظهر خصيصا ليحكي عن فوائد المخدرات أو جاذبية التجربة، كما أن الأمر لم يستغرق أكثر من جملة في إطار حديث شخصي تداركه بتحذير سريع وبالتالي وبناء على مادرسناه في الإعلام من أصول تحليل المضمون لا أستطيع اعتبار حديثه دعوة للمخدرات أو تشجيعا أو تحريضا على تجربتها..

العامل الثاني هو هذا الإكليشيه أو التعبير المحفوظ المتلخص في أن الفنان قدوة، دون أن أفهم بالتحديد ماهو مبرر هذه المطالبة؟.. الفنان مؤثر.. صحيح.. لكن ماهو المختلف في تركيبة وظروف المشاهير (أي مشاهير) يمنطق صياغتهم كقدوة، بخلاف أننا نحن من نريد ذلك؟.. ثم لماذا يتعين على الفنان بالتحديد أن يحيط سلوكه وأفكاره و مشاعره بحواجز عازلة تقيه من التأثر بكل اضطرابات المجتمع وشذوذاته ليتحمل وحده ما لا طاقة لأحد به وهو أن يظل منزهًا عن الخطأ في الوقت الذي لم تمنع قداسة الأنبياء من الوقوع في أخطاء فادحة تفهم الله ظروفها بينما لايزال البشر يرفضون ذلك، وهو ما يفسر إمعان الأعمال الفنية العربية التي تناولت سير فنانينا مثل أم كلثوم وحليم وغيرهما “باستثناء مسلسل أسمهان”، في تصديرهم بصورة مثالية منزهة عن الانحراف النفسي أو السلوكي، بل و الأخطاء ونقاط الضعف، اتقاء لفشل تلك الأعمال في حال اختلافها مع إيمان الناس المطلق بملائكية فنانيهم المفضلين..