أحمد فرغلي رضوان يكتب: "هذا المساء".. يضيء الدراما المصرية

من بين نحو ٣٠ مسلسلا تم عرضها خلال شهر رمضان، تجد عددا قليلا جدا احترم عقل المشاهد وقدم دراما جيدة، وجاءت معظم الأعمال لملء الفراغ بالمحطات الفضائية! وبعيدا عن توقيت ومكان العرض والأهواء الشخصية التي توجهك “للفرجة” على نجوم بعينهم، هناك أعمال تكون غير مرشحة للمنافسة ولكنها تفرض نفسها، ومع مرور الوقت تكون واضحة وساطعة مثل الشمس، على رأسها “هذا المساء” صاحب النهاية الأفضل والأكثر إقناعا للمشاهدين، وقد لفت نظري منذ الأسبوع الأول، فمنذ فترة طويلة لم أشاهد شخصيات درامية بهذا الصدق، الحالة العامة التي خلقها المخرج وكاتب القصة تامر محسن للمسلسل تميزت بتفاصيل دقيقة “مبهرة” وهي من مميزات أعماله الثلاثة إلى الآن، بداية من الصورة إلى اللوكيشن وصولا لشريط الصوت الأكثر تميزا والذي ذكرني في مشاهد كثيرة بسينما عاطف الطيب التي تغوص في الواقع المصري بشكل جذاب وتصل لوجدان ومشاعر المشاهد بسلاسة، بداية من مشاهد لقاءات أكرم وعبلة في بداية علاقتهما الرومانسية، وصولا لمشهد سمير وتقى في التاكسي مع أغنية وردة، وعكس معظم البدايات الساخنة خاطر “هذا المساء” ببدايته الهادئة والتي من الصعب أن يقتنع بها المنتجون والمحطات الذين يريدون بدايات ساخنة ولا يهمهم باقي الحلقات! ولكنه نجح في فرض وجهة نظره وربح في النهاية.

التصوير في الشوارع والمترو والأماكن الحقيقية وحتى اختيار السينما القديمة في “بني سويف” أضاف للعمل أجواء خاصة جذبت المشاهد بشدة خاصة عالم “سوني وتريكه” الخفي الذي يتلصصان منه على زبائنهم في محل الموبايلات، ورغم صعوبة أماكن التصوير هذه إلا أنها زادت من مصداقية العمل وتؤكد أننا امام مخرج لا يستسهل في عمله والأهم أنه صاحب قرار، وأعتقد أن عمل المخرج تامر محسن والمشرف على فريق الكتابة محمد فريد بالأفلام الوثائقية ساعد على مشاهدة القاهرة وأماكن التصوير الأخرى بصورة جديدة.

نجح المخرج في توصيل إحساس أبطاله، باستغلال حركة الكاميرا والكادر والموسيقى بنجاح، فعاش الجمهور مع سوني وعبلة وأكرم وتقى وسمير ونايلة جميع مراحل شخصياتهم بشغف كبير وتكتشف تاريخهم “الخفي” بمرور الوقت في تصاعد درامي مشوق جدا، وبالرغم أن شخصيات العمل الرئيسيّة معظمها غير سوية إلا أنك تتعاطف معها، ونجح المسلسل في جعل المشاهد يرى الأبطال “بشرا” بهم عيوب ونقص بدون مثالية زائفة، ولذلك تعاطفنا معهم في لحظات ضعفهم الإنساني وانكسارهم كما حدث في النهاية مع “سوني”، وجاءت النهايات لجميع الشخصيات منصفة جدا.

المسلسل اختار عالم التجسس الخاص بالهواتف الذكية والذي طالما سمعنا عنه ومن شاهد فيلم “سنودن” لأوليفر ستون سيشاهد هذا العالم المرعب ولكن على مستوى أجهزة مخابرات الدول حيث يقومون يوميا بتسجيل خمسة مليارات مكالمة حول العالم! وكيف لشخص جالس في مقر وكالة الأمن القومي الأمريكي تحت الأرض في “هاواي” يستطيع أن يصل لغرفة نومك ويشاهد ويسجل أي شيء عن طريق جهاز اللاب توب أو الموبايل الخاص بك، وكشف المسلسل أن جزءا كبيرا من برامج التجسس أصبح متاحا للأشخاص العاديين، وممكن اعتبار العمل رسالة تحذير قوية من خطر التكنولوجيا التي أصبحت ملازمة لحياتنا طوال الوقت.

هذا هو العمل الدرامي الثالث للمخرج تامر محسن ويؤكد فيه على نجاحه في صناعة عمل درامي متكامل بتفاصيل وشخصيات مدهشة ويحافظ على الإيقاع حتى النهاية، فريق التمثيل جميعهم كانوا في مباراة تفوقوا فيها على أنفسهم، بالتأكيد هي خطوة تضاف لهم جميعا ونجاح جديد للبطولة الجماعية.