أندرو محسن يكتب: في الحلقة السابقة (8).. الحساب يجمع

بعد النجاح الكبير الذي حققه مسلسل ”فوق مستوى الشبهات“ الذي شهد عودة جماهيرية قوية ليسرا، تكرر تعاونها هذا العام في مسلسل ”الحساب يجمع“ مع المخرج هاني خليفة والسيناريست محمد رجاء بالتعاون مع السيناريست إياد عبد المجيد.
لم يشهد المسلسل نفس إقبال العام الماضي، لكن يبقى المستوى الفني للمسلسل أمرًا آخر:

1- بعدما قدمت دور سيدة المجتمع المضطربة نفسيًا في العام الماضي، تنتقل إلى العشوائيات هذا العام، نعيمة (يسرا) خادمة سابقة وتعمل في توظيف الخادمات حاليًا.

2- هذه التحول بين شخصيتين مختلفتين تمامًا، لا يقدر عليه الكثير من الفنانين، لكن تقدر عليه يسرا، بسهولة سننسى السيدة الثرية الأنيقة شديدة الدهاء، ولن نرى سوى السيدة الفقيرة نعيمة، وكأن يسرا تعوض نفسها والمشاهدين عن الفترة التي توقفت فيها عن تقديم أعمال تليق بموهبتها.

3- هاني خليفة هو الآخر ينتقل إلى عالم لم يقتحمه من قبل، فيلمان ومسلسلان لم يقتربا من منطقة العشوائيات بهذه الطريقة، لكن يقرر أن يقتحم هذا العالم بأدواته.

4- كما قدم في العام الماضي عددًا من الوجوه الجديدة وأعاد تقديم البعض الآخر بشكل جديد، يعيد الأمر نفسه هنا بثقة أكبر، وتحديات أصعب.

5- لو أتى شخص من شهر وأخبرنا أن المغنية بوسي ستكون أحد أهم أسباب متابعة مسلسل ما فلن نصدقه، لكن هذا ما حدث في ”الحساب يجمع“. بوسي قدمت من قبل الفتاة الشعبية أو البسيطة، لكنها ظلت بالنسبة لنا بوسي المغنية وليست الممثلة. الفكرة ليست في الإمكانيات فقط، الفكرة في التوظيف، هاني خليفة نجح في توظيف إمكانيات بوسي التمثيلية لتقدم ما يريده الدور بمنتهى الانضباط.

6- الأمر نفسه ينطبق على كريم فهمي، قدم هو الآخر عددًا من الأعمال، تدور في قالب الكوميديا أو الرومانسية عادة. لا يمكن تذكر أي علامات مميزة له. أول ما فعله هاني خليفة هو أن جعل فهمي يبتعد عن الأداة التي يعتمد عليها دائمًا، ملامحه، وغير من ملامحه تمامًا. هكذا نشاهد أداءً مختلفًا وجيدًا من كريم فهمي في دور الشاب الشعبي الذي يأخذ حقه بصوته وذراعه.

7- منذ فترة طويلة يتردد محمود عبد المغني بين أدوار البطولة والأدوار المساعدة، لكن معظم نجاحاته تأتي في الأدوار المساعدة، هنا يقدم دور نور، شخصية شريرة من نوع خاص، فهو ليس الشر المطلق، بل له لحظات ضعف وانكسار، وله ماضٍ بائس، وكل هذا يقدمه محمود بحساب، أمام الناس شيء ووحده هو شيء آخر.

8- إيمان العاصي أيضًا تقدم دورًا مختلفًا وصعبًا، فهي إحدى أكثر الشخصيات التي تخضع للضغط والابتزاز النفسي منذ بداية الحلقات، والخط الخاص بها يجعل انكسارها يحدث على مراحل، وهذا أمر يحتاج إلى تجسيد هذا التحول البطيء بالشكل اللائق، وهو ما فعلته إيمان بشكل مميز.

9- مثلما فاجأنا مراد مكرم العام الماضي مع فريق العمل نفسه، يقدم هو الآخر شخصية مختلفة هذا العام، ويجيد فيها.

10- ندى موسى كلما ابتعدت عن أداء شخصية الفتاة الرومانسية كلما قدمت أداءً أقوى، فعلتها من قبل في مسلسل ”دهشة“ وتفعلها هنا في دور عبير.

11- مثلما يعد أمرًا صعبًا إعادة تقديم الممثلين في أدوار جديدة عليهم، من الصعوبة أيضًا اختيار وجوه جديدة ثم تسكينها بشكل لائق وإخراج أداء متميز منها. هكذا شاهدنا ديانا هشام (هانا) وحامد الشراب (طه) وشهيرة فهمي (شهيرة زوجة الطبيب) التي تقدم أداءً تلقائيًا يجلعنا ننتظر مشاهدتها في أدوار قادمة.

12- لم يكن هذا المسلسل سيخرج على المستوى المطلوب دون أن يقف وراءه مهندس ديكور قوي، يستطيع تقديم تفاصيل البيئة الفقيرة والعشوائية التي تسكن فيها نعيمة. مهندس الديكور يحيى علام له دور حقيقي في ظهور المسلسل بهذا الشكل، يكفي النظر إلى الشكل الخارجي للبيوت، الأسمنت غير المستوي، الحديد الصدئ على الشبابيك، الدهانات المتآكلة، كل هذا كان مقصودًا بالطبع لكن الأهم أن يظهر لنا كأنه طبيعي وغير مقصود وهذا ما قد كان.

13- يستغل المخرج هذه الديكورات كأنما يصور في أماكن طبيعية خلابة، فيصنع من كل غرفة ومن سطح البيت المتهالك، خلفيات تصوير تضيف إلى جمال المشاهد.

14- طالما ستظل المسلسلات تستمر لمدة 30 حلقة، سيكون أمام صناع المسلسلات حلّين، إما بطء الإيقاع، أو إضافة عدة خطوط فرعية تملأ المساحة الزمنية المطلوبة، وهذا ما ما لجأ إليه سيناريو ”الحساب يجمع“.

15- عندما يختار صناع العمل إلى هذا الحل، يجب السيطرة على الخطوط الثانوية وضبط تأثيرها ومساحتها داخل كل حلقة، وقد أضافت الخطوط الفرعية الكثير لهذا المسلسل.

16- يوجد أكثر من خط خاص بالخدمة داخل البيوت مع عرض نماذج مختلفة لتفاعل أصحاب البيت مع الخادمة، وجود هذه النماذج عززت من الخط الرئيسي الخاص بنعيمة وبناتها.

17- أفضل ما في الخطوط الخاصة بالخدمة داخل البيوت، أنه يعرض لعدد من النماذج القاسية لكن دون وجود شكل مباشر للابتزاز العاطفي أو البكائيات، فكل شخصية لديها مبرراتها ودوافعها التي يمكن أن نقبلها أو نرفضها لأجلها. يتضح هذا بقوة في الخط الخاص بالطفلتين، كان يمكن أن يتحول هذا الخط لإعلان تلفزيوني عن خطورة عمل الأطفال، لكن المسلسل عرض للأمر بشكل أكثر واقعية، وترك للمشاهد الحكم بهدوء.

18- على الرغم من تطور الأحداث داخل المسلسل ببطء إلا أن السرعة هنا كانت ستضر بالبناء العام للشخصيات، فسقوط نعيمة في جريمة السرقة منذ أول عرض، كان سيهد فكرة أن هذه الشخصية لديها أمانة وضمير، وسقوط منة في فخ مديرها منذ البداية دون مقاومة كان سيجعل منها فتاة سهلة وهي ليست كذلك. لذلك فالدوران لأكثر من مرة حول حدث واحد هو أمر من صميم الشخصيات المكتوبة.

مشهد الحلقة السابقة:

المشهد الأخير في الحلقة 13، مشهد القبض على نعيمة. تتضافر في هذا المشهد كل العناصر السابقة.
الأداء التمثيلي المميز من كل الشخصيات، كل شخصية يظهر رد فعلها بما يليق بها، حتى الشخصيات الثانوية، والحوار يخدم الشخصيات، كلٌ ينطق بما يجب أن يقوله.
المخرج ينتقل بالكاميرا سريعًا في لقطات قريبة ليرصد ردود الأفعال تلك، وفي الخلفية نشاهد الديكور المميز لشقة نعيمة.