محمد مصطفى أبو شامة يكتب: واقع الإخوان بين زيجات ثلاث: "مسيار" و"متعة".. و"مرغنطي"

قال وزير المالية المصري الأسبق أمين عثمان، في كلمةٍ ألقاها بكلية فيكتوريا في أربعينات القرن الماضي، إن علاقة مصر وإنجلترا تطوَّرَت من خلال ثلاثة أنواع من الزيجات؛ «زواج الغزو» و«زواج العقل» و«زواج الحب»، وذلك بحسب ما نشرته صحيفة «الأهرام» (وقتها) من نص كلمته، كما أوضح الوزير الوفدي قائلاً: «أرادَتْ إنجلترا أولًا أن تتزوج عن طريق الغزو، فلم تَسْعَد الزوجة وكانت ثورةٌ وطلاق، والثاني عن طريق العقل بمعاهدة 1936، ولكن زواج العقل لم يُعجِبْنا، فنحن نؤمن بزواجِ الحب، ولعل بعضَنا يغضبُ لأني شبهتُ مصر بامرأةٍ وإنجلترا برجل، ولكني أفضِّل هذا التشبيه، فالمرأة دائمًا تأخذ من الرجل خَيْرَ ما عنده، بل إنني سأذهب إلى أبعد من ذلك وأقول: كنا سنُؤَيِّد الإنجليز لو لم يحاربوا من أجل الحق، لأن زواجنا بهم زواج كاثوليكي، أي لا طلاق فيه».

وتركت كلمات عثمان أثرها القوي في نفوس أجيال عاصرته من المصريين، فأعتبرها شباب من الثائرين جريمة كبرى، ودَبَّروا عملية اغتيال للوزير الخائن، وكان من بين المتهمين باغتياله أنور السادات الذي أصبح رئيسًا لمصر بعد ذلك بنحو ربع قرن.

وهناك قِلَّة من المصريين اعتبروا كلمات أمين عثمان عن الزواج الإنجليزي حكمةً سياسيةً عظيمةً، فجعلوها دستورهم.. وحفظوها عن ظهر قلب، وساروا عليها في كل عصر، ولكن تبدل «الكاثوليكي» معهم وأصبح «مسيارًا» كي يتماشى مع وهم السلف؛ وأفكار جماعة «الإخوان المسلمون» التي سَلَّمَتْ نفسها جاريةً وخادمةً وعشيقةً لكل مندوب سامي بريطاني (السفير البريطاني)، لتصبح من حريم «التاج» وعلى ذِمَّتِه حتى اليوم، بمنطق أمين عثمان: «المرأة دائمًا تأخذ من الرجل خَيْرَ ما عند».

وهذا ما يُفسِّر حِرص الجماعة المحظورة حتى اليوم على علاقاتها المتينة مع الإنجليز، وهو ما عكسه إسراعُ شيخِهم في المنفى إبراهيم منير في أن يرسل برسالة تقدير وتضامن إلى صديق خان عمدة لندن، حَوَت كلماتٍ من الغَزَل تؤكد العلاقة الحميمة بين دولة عظمى لها تاريخ استعماري معتَبَر بحجم بريطانيا، وجماعة مارقة صَنَّفَتْها معظم دول العالم بأنها جماعة إرهابية محظورة.

ومنير الذي وصف نفسه بنائب المرشد العام لجماعة «الإخوان المسلمون»، كتب في رسالته: «نتقدم بخالص العزاء إليكم والي أسر ضحايا الحادث الإجرامي الذي وقع مساء الثالث من يونيو 2017 عند جسر لندن، مؤكدين تضامُنَنا مع الشعب البريطاني ضد هذه الجريمة النكراء التي آلمت جميع المسلمين المقيمين في هذا البلد، ومن منطلق أننا من ساكني ومواطني هذه المدينة العريقة وتلك البلاد صاحبة الديمقراطية الأصيلة التي ننعم بقِيَمِها وبمظاهر سلام وأمن اجتماعي في ظلها، رغم كل الأحداث الأليمة التي تجري، لنَودّ أن نعبر من منطلقٍ إسلامي صادق وعميق عن استنكارنا لهذا الحدث الأليم الذي يخالف قِيَم الأديان السماوية جمعاء والفطرة البشرية السليمة والقيم الإنسانية الأصيلة».

تقع جرائم الإرهاب في كل مكان بالعالم، ولم تنبرِ الجماعة ولا نائب مرشدها (كما يدعي) إلى أي رسائل تضامن مع أي من شعوبها، كما فعل مع صديقه صديق خان وأهل لندن الأبرار، بل إن صوتهم يخرس، وعيونهم تعمى، وقلوبهم لا تحزن، ولا يُبدُون أيَّ تضامن ولا يصدر عنهم تنديد لأي من جرائم الإرهاب التي تحدث في مصر (سواء في سيناء أو ضد الأقباط).

وإذا كنا وَصَفْنا العلاقة التاريخية بين «الإخوان» والإنجليز بـ«زواج المسيار»، فإن صفقة «الإخوان» مع «تميم الدوحة» ومن قِبلِه مع أبيه المنقلب على أبيه، يليق بها أن توصَف بزواج المتعة المشبوه دينيًّا والمشهور شيعيًّا (على طريقة أهل إيران وسطاء هذه الزيجة)، وهو الزواج الذي يعرِّفُه العلماء بأنه «زواج مؤقت إلى أَجَل، لا ميراثَ فيه للزوجة، والفُرقَةُ تقع عند انقضاء الأجل»، وهو ما ينطبق على الحالة القطرية الإخوانية، كما أنه يبدو أن الأجل قد حَلَّ، والرحيل قد وجب.

وتأكد ذلك بعد أن تفجرت الأوضاع حول قطر في الخامس من يونيو الحالي، في أعقاب زلزال دبلوماسيّ خليجيّ مصري، ما زالت أصداؤه تدوِّي في كل أرجاء العالم، وسط محاولات من المجتمع الدولي لاحتواء الأزمات والنتائج المترتبة عليه، والضغط على قطر (التي أصبحت متهمة بأنها مركز للإرهاب) لإزالة أسباب قرار المقاطعة الجماعية الذي اتخذته عدة دول تتقدمها مصر والسعودية والإمارات.

ورغم أن قرار رحيلها أصبح وشيكًا من الدوحة لعاصمة أخرى، أو مركز جديد من مراكز الإرهاب، فإن الجماعة المارقة لم تستحِ وأصدَرَتْ بياناً عكس حالة الرعب الذي تعيشه والواقع المرير الذي تمر به، وحاولت فيه أيضا أن تغازل دول الخليج فقالت: «تابعت جماعة (الإخوان المسلمون) التطورات الأخيرة على الساحة الخليجية والعربية، من قطع للعلاقات مع دولة قطر الشقيقة، وما ترتب عليه من تمزيق لأواصر الأخوة بين شعوب المنطقة. إن قطر ودول الخليج قد عُرِفَ عنها طوال تاريخها مناصرة القضايا العادلة والوقوف إلي جانب الشعوب المقهورة واحتضان أصحاب القيم والمبادئ».

وفرضت الأزمة القطرية وما صاحبها من اتهام صريح للإخوان بالإرهاب على إبراهيم منير أن يدلي بتصريح صحفي للدفاع عن جماعته، وكان أهم ما قاله: «إزاء هذه التطورات التي نخشى معها من كارثة «أندلس جديدة» يسعى البعض لوقوعها، فإن الجماعة ترفض وتستنكر الزج باسمها أو استخدامها كورقة ضغط من طرف على آخر في أي خلاف، مع التأكيد على رفضها التام لأي اتهام لها فيما يتعلق بموضوع الإرهاب أو اتهام دولة قطر بتمويلها في ثنايا الخلاف الحادث، فهو أمر غير صحيح تماما».

وهكذا وعلى مذهب أمين عثمان، تنقل «الإخوان» في الزواج بين ثلاث زيجات؛ كان «زواج المسيار» أو «الإيثار» مع «لندنستان»، وهو الزواج الذي تتنازل فيه الزوجة عن بعض حقوقها، ولكنها تضمن شرعية العلاقة، وكان «زواج المتعة» مع دوحة تميم وقد أحَلَّه لهم الشيعة، أما الزيجة الثالثة فيرى البعض أنها «زواج المحلَّل» المحرّم شرعًا، ولكني أظنّ أنها زيجة شرعية من صنف «الزواج المرغنطي» مع السلطان أردوغان، وهي زيجة تستحق مقالًا منفردًا.