خلافات كل رمضان.. من يسبق الآخر على "التترات"؟

نقلًا عن الشرق الأوسط

«إذا مت ظمآناً فلا نزل القطر»، بيت شعر لأبي فراس الحمداني في رائعته «أراك عصي الدمع» التي غنتها أم كلثوم فحققت لها الذيوع والانتشار. تذكرت هذا الشطر، وأنا أتابع معركة هالة صدقي وصراعها الحاد مع غادة عادل حول «تترات» مسلسل «عفاريت عدلي علام»، فهي ترى أن من حقها أن تسبق – بحكم التاريخ الذي يستند إلى وحدة الزمن – اسم غادة، بينما غادة ترى أنها وعلى أرض الواقع الفني وطبقاً لقانون الجغرافيا الذي يستند إلى وحدة المكان، الأحق.

أصبحت غادة تسبق هالة في المكانة التي حققتها في السنوات العشر الأخيرة على الخريطة الفنية، لم يستطع منتج المسلسل إيجاد حل يحسم الصراع، فقرر إلغاء «تتر» البداية الذي صار فقط يشير إلى عادل إمام والكاتب يوسف معاطي والمنتج تامر مرسي والمخرج رامي إمام. وأعلنت هالة رضاها التام عن تلك النتيجة، وأضاعت على عشرات من المشاركين في العمل حقهم الأدبي في قراءة أسمائهم، لم تتحقق رغبة هالة في أن تسبق غادة، إلا أنها حرمت أيضاً غادة أن تسبقها، وهكذا «لم ينزل القطر» على الجميع.

معركة أخرى هذا العام وإن كانت أقل صخباً نشبت بين منة شلبي وخالد النبوي، في «تترات» مسلسل «واحة الغروب»، كانت منة تتعامل مع الموقف باعتباره محسوماً منذ البداية لصالحها، فهي الأكثر نجومية والمسلسل يتم تسويقه باسمها، وهى بطلة سينمائية وتلفزيونية، واسمها يتصدر الجميع، بينما كثيراً ما تتعثر تسويقياً المشروعات التي يشارك فيها خالد النبوي بطلاً، مما دفعه بأن يقبل أن يقف قبل عامين، خلف هيفاء وهبي في مسلسل «مريم». كانت هيفاء هي البطلة واسمه يأتي تالياً لها، إلا أن خالد هذه المرة كان متخوفاً، لأنه لو تكرر الموقف مرة أخرى فلن يصعد اسمه للمقدمة بعد ذلك أبداً، وكل نجمة يشاركها في البطولة ستطالب بالمعاملة بالمثل، فكان الحل هو ألا تكتب أسماء في النسخة المعروضة على «إم بي سي مصر»، وهكذا قرأنا اسم سيد رجب البطل الثالث أول اسم، وغابت منة وخالد، بينما قناة «دبي» تضع اسم منة شلبي في المقدمة وتتوالى الأسماء حتى نجد في النهاية اسم خالد النبوي يسبقه لقب نجم، وهذا اللقب صار في الحقيقة ممتهناً ولا يعني شيئاً، لأن النجم لا يحتاج أن يسبقه لقب نجم، إلا هذا فيما يبدو كان شرط النبوي.

من يسبق من على الأفيش والتترات؟ معركة نراها دائماً تعلن عن نفسها بين النجوم والنجمات وقد تنتهي إلى ساحة القضاء، وأحياناً يدفع الفنان ثمن حفاظه على مكانته الأدبية ويعتزل.

لدينا حلول تتوالد، ألم يقولوا «الحاجة أُم الاختراع»، وهكذا مثلاً صرنا نقرأ تلك الجملة «كل هؤلاء النجوم يلتقون مع» حيث يكتب اسم نجمة أو نجم كبير في النهاية بعد «مع»، وفي العادة فإن هذا النجم أو تلك النجمة كان لهما رصيد في الماضي مثلما شاركت نبيلة عبيد الراقصة الممثلة فيفي عبده في بطولة مسلسل «كيد النسا» قبل 5 سنوات، كان اسم فيفي أكبر في التسويق، بينما نبيلة رغم تاريخها الحافل بالبطولات والجوائز، فإنها لم تعد في المقدمة، وأصرت فيفي على أن تسبقها، ولم تملك نبيلة ترف الاعتذار عن المسلسل، فليس لديها أي مشروعات بديلة، فلجأت إلى هذا الحل «كل هؤلاء النجوم يلتقون مع» ثم يكتب اسمها، في مسلسل «لأعلى سعر» سبق اسم نيللي كريم اسم زينة على «التترات»، ولكن الصورة المصاحبة التي تضم نيللي وزينة وأحمد فهمي، تم تقديمها بحيث يتساوى الثلاثة، وخصوصاً نيللي وزينة، في «قصر العشاق» الذي ضم كثيراً من النجوم الكبار أمثال سهير رمزي وعزت العلايلي وفاروق الفيشاوي وبوسي، تقرر تغيير ترتيب الأسماء بين كل حلقة وأخرى.

أغلب النجوم حتى الذين صارت الأعمال الفنية تسوق بأسمائهم واجهوا في الماضي تلك المشكلات، مثلاً غادة عبد الرازق التي صارت تتصدر منذ 8 سنوات كل «تترات» المسلسلات التي تلعب بطولتها، إلا أنها مثلاً في فيلم «كف القمر» اتهمت المخرج خالد يوسف بحذف مشاهدها وعدم احترام اسمها ومكانتها في أفيش الفيلم، الآن تجد أن حرف الجر «في» صار يأتي تالياً لاسمها في المسلسلات، أي أن المسلسل هو مشروعها، والكل يدور حولها، والحقيقة أن عدداً كبيراً من النجوم أصبح طموحهم هو حرف «في»، وآخرهم محمد إمام الذي كان هو آخر نجم تم منحه حرف «في» مسلسل «لمعي القط».

في قانون السينما والدراما، دائماً الاسم الأكثر وهجاً هو الذي يأتي في المقدمة، فهو القادر على جذب الجمهور، إلا أن بعض النجوم والنجمات عندما يدور بهم الزمن وتتغير المعادلات الفنية يرفضون الاعتراف بذلك، وهناك آخرون لديهم مرونة تتيح لهم التعامل مع الإيقاع الجديد. محمود ياسين مثلاً أكثر فنان ضرب نموذجاً مضيئاً للتعامل مع الواقع، شاهدنا أفيش وتترات فيلم «الجزيرة» الجزء الأول، بطولة أحمد السقا، احتل السقا المساحة الأكبر ولم يعترض محمود ياسين، بل قال هذه هي سينما الشباب وليست سينما محمود ياسين، وجيلنا يجب أن يتوافق مع هذا الزمن، نور الشريف في «مسجون ترانزيت» مع أحمد عز وافق ببساطة أن يسبقه عز، بينما على الجانب الآخر نجد مثلاً أن الفنانة القديرة هند رستم اعتزلت السينما في السبعينات لأنها أصرت على أن يسبق اسمها اسم فريد شوقي في فيلم «وبالوالدين إحساناً» ورفض مخرج الفيلم حسن الإمام الاستجابة لها، فأسند دورها إلى كريمة مختار، كما أنها طلبت أن يسبق اسمها اسم سعاد حسني في «الكرنك» ورفض المخرج علي بدرخان وأسند دورها إلى شويكار.. اعتزلت هند وقالت إن تاريخها الفني ينبغي أن يضمن لها مساحة مميزة على الأفيش والتترات، بينما لمحمود المليجي مقولة رائعة وهي أنه «يفضل أن يظل جندياً في الميدان على أن يصبح جنرالاً متقاعداً»، وهكذا استمر حتى رحيله يبدع فناً داخل البلاتوهات.

ومن الجيل الحالي أعجبني مثلاً شريف منير، سألوه قبل 5 سنوات من يسبق في تترات فيلم «أولاد العم» الذي كان يشارك فيه كريم عبد العزيز ومنى زكي… أجاب شريف قائلاً: كريم يسبقني هو بطل جماهيري.. نعم إذا أراد الفنان الاستمرار عليه أن يتمتع بهذا القدر من المرونة.. صحيح أن شريف منير يأتي اسمه بطلاً في كثير من الأعمال الفنية، ولكن كريم كنجم شباك يحقق إيرادات أكبر، وهكذا مثلاً سبقه كريم هذه المرة أيضاً في مسلسل «الزيبق»، لدينا نجوم من هذا الجيل مثل فتحي عبد الوهاب لم يعد هذا الأمر يشغله كثيراً، رغم أنه عرف البطولة قبل كثير ممن يسبقونه الآن، ولكنه يراهن على الدور.

البعض يطلب حذف اسمه، فعلتها لوسي العام الماضي في مسلسل «الكيف»، وسبق أيضاً لفردوس عبد الحميد في مسلسل «زيزينيا» قبل نحو 20 عاماً عندما أصر الإنتاج على أن يأتي اسم آثار الحكيم سابقاً لها، فقالت احذفوا اسمي من «التترات».

ما القاعدة التي من الممكن أن تحسم هذا الصراع الأزلي؟ نور الشريف له مقولة رائعة: «اللي أجره أكبر مني يسبقني على الأفيش». وضرب مثلاً بعادل إمام عندما كان نور في السبعينات يسبقه على الأفيش والتترات في كل اللقاءات الفنية التي جمعت بينهما، ولكن بعد ذلك أصبح أجر عادل إمام أكبر فسبق نور الشريف، وحدث ذلك في آخر فيلم جمع بينهما «عمارة يعقوبيان». هذه هي الاحترافية التي ينبغي أن يتحلى بها الفنانون وخصوصاً النجوم، الناس هي التي تختار نجم الشباك لأسباب جزء منها من الممكن إدراكه موضوعياً، ولكن الجزء الأكبر يلعب فيه لا شعور الناس الدور الأكبر.

إلا أن السؤال الأهم هل تفرق مع الجمهور من قرأ اسمه سابقاً الآخر؟ أم أنه بعد نهاية عرض الفيلم أو المسلسل، يعيد هو مجدداً الترتيب طبقاً لما يراه الأفضل.

لم يحدث طوال التاريخ أن قرأنا أسماء مثل زكي رستم ومحمود المليجي وعبد الفتاح القصري وزينات صدقي وتوفيق الدقن وغيرهم وهي تتصدر المشهد، ولكن مع مرور السنوات اكتشفنا أن ما تبقى في الذاكرة هي الأدوار التي قدمها هؤلاء، فصاروا هم الذين يتصدرون «أفيشات» و«تترات» مشاعرنا وذاكرتنا!