ما بين تمثال المطرية اليوم ورمسيس 2006.. شعب لم يفقد لهفته

فاتن الوكيل

انتهت عملية نقل أجزاء التمثال الذي تم الكشف عنه في سوق الخميس بـ المطرية، الخميس الماضي، الذي كان يُرجح عودته للملك رمسيس الثاني، لكن تم نفي هذه الأنباء، وأكد الدكتور خالد العناني وزير الآثار اليوم 16 مارس، عقد مؤتمرا لإعلان مفاجأة عن هوية التمثال.

استمرت عملية النقل ببطئ وحذر حتى ساعات الصباح الأولى، وسط نقل حي من التلفزيون المصري والقنوات الفضائية الإخبارية، حتى وصوله بسلام إلى المتحف المصري بالتحرير.

نرشح لك – صور وفيديو.. المطرية بين “إلحق آثار” و”إلحق قنبلة”

 

لكن هذا الموكب الرسمي أعاد إليّ مشاهد نقل تمثال رمسيس الثاني عام 2006. التجهيزات وقتها كانت أكبر، حيث أعلن قبلها بوقت طويل عن نية الحكومة نقل التمثال من ميدان رمسيس بحجة الخوف على جسم التمثال من الأتربة وعوادم السيارات، ولعرضه في المتحف المصري الكبير بعد افتتاحه.

لكن اليوم كانت التجهيزات سريعة إلى حد ما بسبب الكشف المفاجئ عن التمثال، بالإضافة إلى أن نقل أجزاء من التمثال أسهل من نقل تمثال كامل وضخم لرمسيس الثاني لمسافة طويلة.

في 2006 وفور الإعلان عن نقل تمثال رمسيس الثاني من الميدان الذي حمل اسمه. سريعا ما تداولت أقاويل عن أن هذه “النقلة” يشوبها بعض الفساد والعمولات وليس بهدف الحفاظ على التمثال، ولكن يعلم الله مدى صحة هذا الحديث أو كذبه، لكن سمعة النظام الغارقة في الفساد وقتها كانت كفيلة أن تجعل المواطن يقول “يعملوها وكل شيء جايز”.

النقل الأول لـ رمسيس الثاني من “ميت رهينة” إلى الميدان الشهير

بدأ البث المباشر لنقل تمثال رمسيس الثاني يوم 25 أغسطس 2006، مع ساعات الصباح الأولى، وبحكم سكني وقتها في منطقة قريبة من ميدان رمسيس، كان سهلا مع قليل من “الزن” أن أنجح في جعل أسرتي توافق على النزول فجرا لتوديع رمسيس الثاني.. ومن لا يريد توديع الملك العظيم؟.

بالفعل وصلنا إلى ميدان رمسيس وبالصدفة وجدت بعض الأصدقاء. كان التفكير واحدا.. ألفنا وجود رمسيس وذهبنا لتوديعه، هكذا فكرنا في الأمر. ووجدت أيضا الآلاف من البشر، نساء من مناطق شعبية مجاورة حرصن على القدوم بصحبة أبنائهن، وقفن على الأرصفة بملابسهن السوداء دائما، ينظرن بترقب نحو التمثال الذي تم تغليفه بالفوم ومحاوطته بوسائل الأمان، قبل النقل بعدة أيام.

لم يكن يتوقع أحد أن يكتظ الميدان بكل هؤلاء. ليسوا فقط صحفيين أجانب ومصريين، وعلماء آثار ورجال أمن، بل الآلاف من الشباب والرجال والنساء الذين وقفوا على مطلع كوبري أكتوبر، حتى يضمنوا أفضل رؤية للملك.

مع أول صوت لـ”زحزحة” التمثال.. سمعنا أصوات صراخ، امتزجت بالتهليل للملك العظيم، والبكاء على نقل التمثال. لا أعرف لماذا بكينا؟!، لكن الأمر حقيقة كان أكبر من نقل تمثال، كان بالفعل أشبه بالوداع. وفي لحظات محاولة التماسك شعرت أنني “زودتها شوية” خاصة أنني وقتها لم أتجاوز الـ 16 عاما، ولا أعرف الكثير عن تاريخ رمسيس الثاني، لكن ما أكد لي أن شعوري حقيقي، هو هتاف السيدات “مع السلامة يا رمسيس”.

 

من مشاهداتي في هذا اليوم، تجمهر المئات في إحدى الحارات المطلة على الميدان، لكنها بعيدة عن زاوية رؤية التمثال، وعندما حاول الرجال الخروج من هذه الحارة، واجهتهم عصي الأمن المركزي، وهو ما ذاد من قساوة اليوم عندي، لكن الموقف مر والمشهد هدء مع أول تحرك للتمثال.. الكل نظر إلى الأعلى.. يا الله ما كل هذا الجلال؟.

تلخص الأمر لدي في أن زعيم عظيم “جمال عبد الناصر” وضع عام 1955 تمثالا لملك عظيم أيضا “رمسيس الثاني”، حتى يُذكرنا دائما بهويتنا وقوة مصر، وأن الآثار ليست للمخازن والمتاحف فقط، لكنها للميادين.. للشعب. وكان نقل التمثال خطوة ضد كل هذه المعاني حتى وإن كان هذا الاعتقاد ليس صحيحا.

https://www.youtube.com/watch?v=ePIDy7WbAek

 

اليوم، ومع الفارق الكبير بين الحدثين، مازلنا نفخر بلحظات البث الحي لنقل تمثال المطرية، وحمدا لله أنها لحظات سعيدة على عكس ذكرياتي مع يوم نقل تمثال رمسيس الثاني من ميدانه. ومازلنا نتلهف لسماع تفاصيل الكشف الجديد، حتى وسط الهم العام الذي لا ينته.

نفس السيارة سارت ببطئ وهي تحمل تمثالا أثريا، يحاوطها عشرات السيارات والكاميرات، لكنها تحمل جزءا من تمثال لملك مجهول “حتى الآن”. نتأكد ونحن نراقب الاكتشافات الأثرية، أننا لا نريد أن نعرف أكثر عن الجدود وفقط، لكننا نريد أن نختبر مدى ارتباطنا بهذه الأرض، حتى وإن جارت عليها “تصاريح البناء” والمحليات، التي زرعت بفسادها الخوف في عيون أهالي المطرية خشية طردهم من بيوتهم للكشف عن المزيد من الآثار، وأصبح الحاضر والماضي في مازق بسبب “كوباية شاي بالياسمين”.