نسمة سمير تكتب: "بشتري راجل" .. ضحك وجد وحب

” أحلى حاجة في الدنيا الأطفال.. لو أقدر، كنت جبت دستة.. بس أنا ماتجوزتش قبل كده، ولا عايزة اتجوز.. أنا ناجحة جدًا في حياتي العملية، عايشة عيشة مريحة ومش محتاجة حد يسندني ماديًا… بس بخاف قوي من الوحدة الحل الوحيد اللي قدامي إني أبقى أم”، عندما تسمعي هذه  الكلمات من “شمس نور الدين”، أو “نيللى كريم” بطلة فيلم “بشتري راجل”، ستشعرين بأنها تتردد فى داخلك منذ زمن، لم تكن تلك المرة الأولى التى تمر فيها على أذنيكِ، فسبق واخترقت روحك وترسبت بقلبك.

بعد عدة أعمال ناجحة وشهرة لنيلي كريم بأدوار الكآبة والشخصيات المركبة والمعقدة نفسيًا قررت التخلى عن هذا اللون والعودة إلى الرومانسية المواكبة لجيلنا بفيلم “بشتري راجل”، ربما كان متأخرًا هذا القرار ولكنه صائبًا ، في النهاية لا زال الجمهور يتمنى مشاهدة “نيللي” فى ثوب مفرح بدلا من الحزن الذى ارتدته عدة أعوام فى دراما رمضان، و اتخذت “نيللي” من هذا الفيلم نقطة انطلاق لتقديم نفسها في شكل جديد للجمهور.

يعتمد الفيلم على فكرة جذابة وجريئة لم تطرح من قبل فى السينما المصرية، فتاة تقرر شراء حيوانات منوية من رجل مقابل مبلغ من المال، وتعلن ذلك عبر موقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك”، بعد أن تكتشف انخفاض نسبة فرص حملها نتيجة تقدمها فى العمر، فتعقد صفقة مع شاب يمر بأزمة مالية بأن يتزوجا صوريًا أمام والدتها بشرط أن تصبح العصمة فى يدها ثم تجرى عملية تلقيح صناعى وبعد الحمل يتم الطلاق، “مأذون .. أنبوبة معمل .. مأذون” هكذا ترى “شمس” الزواج.

خوفًا من الوحدة، قررت البطلة أن تصبح أمًا بلا زوج، مقابل الحصول على طفل تشعر فى وجوده بالأمان وعدم الخوف من تقلبات الزمن حتى لا تموت فى منزلها وحيدة دون أن يشعر بها أحد، وتعلن استعدادها دفع كل ما تملكه من مال للشخص الذي سيتبرع لها بحيواناته المنوية ، من منا لا تريد هذا بعد حكايات حب فاشلة أفقدت معظمنا الثقة فى الرجال، فلم نعد نريد حب ولا غرام ولا انتقام، كل ما نريده ببساطة شديدة أن نصبح أمهات.

فكرة الفتاة المتمردة تناولتها العديد من الأعمال السينمائية بأكثر من معالجة مأخوذة عن مسرحية “ترويض الشرسة” لشكسبير، فظهرت في فيلم يحمل نفس الاسم للنجمة العالمية إليزابيث تيلور، والفيلم المصري “آه من حواء” بطولة رشدي أباظة ولبنى عبد العزيز، و “المتمردة” لصباح وأحمد مظهر، ومسرحية “سيدتي الجميلة” لفؤاد المهندس وشويكار، وفيلم “إستاكوزا” لأحمد زكي ورغدة.

وهذا لا يعتبر اقتباسًا أو تكرارًا ولكنها “تيمه” موجودة فى الحياة ومن حق أى كاتب أن يطوعها كما يشاء، وتمكنت الكاتبة إيناس لطفي من عمل سيناريو مميز للغاية استخدمت فيه جمل حوارية حية نستخدمها فى حياتنا اليومية ومناسبة جدا للشخصيات وللحبكة ، والفيلم منذ المشهد الافتتاحي بصوت “دنيا ماهر” ، عرفنا من خلاله أزمة البطلة سريعًا وحتى النهاية متماسك حيث تم توظيف الكوميديا بسلاسة خلال أحداث الفيلم مما يجعلك لا تتوقف عن الضحك طوال مدة العرض دون ملل ، وعلى الرغم من جرأة الفكرة وغرابتها لكنها بالفعل موجودة بداخل الكثير من الفتيات ويتحدثن طويلًا عن الرغبة فى الإنجاب بدون الاحتياج لرجال، ويحلمن بإنشاء بنوك للبويضات والحيوانات المنوية تمكنهن من الحصول على طفل.

عادت “نيللى كريم” بقوة فى شكل جديد، تبتسم وتحب وتمزح عكس ما اعتدنا على رؤيتها فيه خلال الأعمال السابقة، بقبول كبير لأداء مختلف عن التراجيديا التى قدمتها، واهتمت بتطوير أدائها حتى تخرج من تكرار الشخصيات التى تقدمها، واهتمت بتفاصيل الشخصية ففى بداية الفيلم كانت ترتدي أحذية ذات كعب عالي، وبعد الحمل استبدلتها بـحذاء رياضي “كوتشي”، كما برعت فى التعبير بوجهها فى مشاهد كثيرة لتوصل إلى الجمهور مشاعر قد لا تعبر عنها الكلمات.

محمد ممدوح، جاءت شخصيته مرسومة بشكل مختلف عن شخصية رشدى أباظة فى فيلم “آه من حواء”، رغم اشتراكهما فى نفس المهنة وهي طبيب بيطري لدلالة درامية وهى الترويض والتعامل مع الشراسة التى تهاجم بها الحيوانات عند الشعور بالخوف، فالمرأة تبادر بالهجوم فور شعورها بالخوف، فرشدى أباظة واجه شراسة لبنى عبد العزيز بالعنف والمشاكسة، بينما بهجت “محمد ممدوح”، روض شمس “نيللى كريم” بالحب حتى تشعر بالأمان، ووضع عدة تفاصيل تخدم الشخصية مثل علاقته بالجاموسة “بوسة” وحبه لها وحنانه عليها ليشعرها بالأمان، وحفاظه على مزرعة أجداده رغم خسارته، وحبه للموسيقى فهو يفعل ما يحبه مهما كان يبدو جنونًا، فالدور انطلاقة جديدة لـ “تايسون”.

وشارك “بيومي فؤاد” كضيف شرف فى مشهد واحد بالفيلم، جاء متميزا فيه للغاية ونجح فى تقديم شخصية ظريفة بمهارة شديدة، قدم شخصية أحد المتبرعين والذى جاء مستعدًا حاملًا معه عينة من الحيوانات المنوية، ثم يعترف بكذبه وأنه ليس أرمل بل متزوج ولكنه يبحث عن عمل ليطعم أطفاله، ويشارك فى صناعة لحظات من الضحك فى الفيلم.

وجاء الأداء الذي قدمته دنيا ماهر لشخصية صديقة “شمس” جيدًا، فالشخصية مرسومة بشكل متميز، أدائها الصوتى فى بعض المشاهد كمذيعة راديو مقبولًا جدا للجمهور، ومساندتها لصديقتها رغم رفضها للفكرة واقعي فجميعنا نشارك أصدقاءنا فى جنونهم.

“أنا عجبي على بنت راسمة على الهدوم لعبة … قابلها جدع زين فكرها إنها لعبة …قالت له روح يا شاطر بنات الناس ماهيش لعبة على ورق الفل دلعنى  ما احمِلش الذُل ده يعني”، جاءت أغنية الفنانة جمالات شيحة مناسبة لأحداث الفيلم، وتعبر عن “شمس”، والتي تمثل قطاع عريض من البنات اللاتي فقدن الثقة في الرجال، وفقدن إحساس الأمان، وأصبحت ترى أن حصولها على طفل هو الحب المضمون الوحيد فى حياتها الذى لن يخذلها.

بعد نجاح أعماله فيلم “لعبة الحب”، ومسلسل “أهل كايرو”، و”الأولة في الغرام”، و”مريم”، قام محمد على بإخراج فيلم “بشتري راجل” ليكون إضافة جديدة لمشواره الفني، وظف خلاله الممثلين بشكل جيد وترك لهم حرية التعبير عن الشخصيات دون الإخلال بإيقاع الفيلم والحفاظ على حيوته حتى مشهد النهاية، ودمج الكوميديا بالأحداث بشكل متماسك دون أن تشعر أنها مقحمة بالعمل، على سبيل المثال شخصية محمد شاهين فى بداية الفيلم والذى لعب دور عريس يتقدم لـ “شمس” موظفة بمهارة شديدة وخفة دم.

ولكن نهاية الفيلم لم تكن مُرضية لكثير من الفتيات لأنها لم تقدم حلا جديدا فكانت واقعية وهى أن لا مفر من الزواج ولن تتمكني من أن تصبحين أمًا بشراء رجلًا، لأن على الرغم من أن “شمس” تمكنت من شراء “بهجت” لم تنجح عملية التلقيح، والسبب عدم وجود الأمان فالأطفال لا يأتون فى لحظات خوف بل فى لحظات سكينة، من يمنحنا الأمان لا يُخلق فى صفقات بيع وشراء، وبذلك لا مفر من الحب ولا مفر من الزواج.

فعندما نكتشف أن ما مررنا به من حب لم يكن إلا كذب، وعلى الرغم من وجعنا لا نستطيع نسيان الذكريات ونشتاق لأحبابنا، ونصبح فى منطقة المنتصف لا نتمكن من الغفران لهم، كما لا نستطيع مسامحة أنفسنا على وثوقنا بهم، فنخاف ونهرب بيعدًا عن جميع من يحاولون الاقتراب منا، نخبىء قلوبنا بعيدًا عن متناول الأطفال، فالخيبات التى حصدنها من التجارب الفاشلة جعلتنا نكفر بالحب، ولكن لا يمكن أن نكفر بالأمومة.

فهنا نبكي ولا نعرف إلى أين نذهب؟، ونحتاج من يمسك بيدنا ويمنحنا بعض الأمان، فنغفر لمن خذلنا بشرط يبرهن لنا صدقه ونتأكد أنه تغير ولن يتركنا فى منتصف الطريق، نعم علينا تقبل الرجل بما خُلق عليه من هفوات وطفولية وعناد فهو بداخله “كائن خائن صغير” قد يخون بكلمة أو نظرة أو لمسة أو ربما الخيانة تكون ممثلة فى قسوته علينا أحيانا، وكما قال بهجت لـ “شمس” فى الفيلم ” هو كيف عندك تولدي فى زرايب”، وعليه أن يحبنا بما خلقنا الله عليه من جنون وثرثرة وصخب، حب رفيق رحلتك بعيوبه حتى تطرح شجرة الأمان أطفالًا، فالحب هو الغفران، هو الرحمة.