أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (8).. جناب المونتير

كنت على مقهاي الحبيب، القريب إلى قلبي نتباحث، صديق لي وأنا حول فنيات وتقنيات الفيديو البشع الذي نشرته داعش لاغتيال الطيار الأردني معاذ الكساسبة –رحمه ورحمنا الله- .

وعلى ذات المقهى، وفي نفس الظروف، جمعتني بصديق آخر جلسة مباحثات مماثلة حول اغتيال الواحد وعشرين مصرياً الذين قتلهم نفس التنظيم… أخذنا النقاش في المرتين لنفند جودة المعدات المستخدمة، كفاءة التصوير، وتعجبنا – ثلاثتنا- كثيرا كثيرا من براعة الجهاز الإعلامي لداعش مقارنة بما نراه في واقعنا السعيد.. وأكاد أجزم أن كل ما نفذه هذا التنظيم البشع من فيديوهات لم يكن ليخرج إلى العالم بهذه الجودة إلا لو كُلِلَت بجهود بطلنا اليوم في “كونترول رووم” …. المونتير.
مَنتَجَ .. يُمَنتِج.. مونتاجاً … فهو مونتير.

هو الرجل الذي لا يعمل بالكونترول رووم على الإطلاق، لكن تقتضي وظيفته أن يظل معنا بروحه داخل المكان… يتلقى كلمات الاستحسان أو اللعنات عندما نشاهد جميعاً نتيجة عمله معروضة أمامنا على الشاشات… هو شخص يتمتع – في الأغلب – بحس فني عال و راقٍ، وأهم واجباته الوظيفية أن يتسلم عدد (زاد أو قَل) من الدقائق التلفزيونية المصورة ، تكون في المجمل بلا معنى أو ترتيب إلى أن (يُمنتجها) هذا (الفنان) لتخرج من تحت يديه، تقريراً تلفزيونياً متماسكاً … أو إعلاناً عن أحد البرامج .. أو فيديو لتنظيماً إرهابياً … أو فيلماً وثائقياً… أو أغنية حول حدث ما .. إلخ.

كتب زميلي في العمل وصديقي “عبد الرحمن يحيى” تلك الكلمات بعد عاصفة ليبيا: “الناس اللي مستغربة من الانتاج الفني المبهر لميديا داعش عندهم حق.. لأن اللي عندنا في مصر حلمبوحة مش ميديا اصلاً”

وبغض النظر عن موافقتي التامة لكلمات ” عبد الرحمن ” فأنا أعتقد أن للمونتير دوراً محورياً في تحويل تلك الحلمبوحة إلى إعلاماً حقيقياً … أقله على المستوى الفني/ البصري… فيجبرك على المتابعة والتدقيق.

فالمونتير رجل مبدع بحق، يتسلم مادة مصورة بلا معنى تقريبا بدون تدخل منه لترتيب ما تم تصويره زمنياً.. وإضافة بعض المحسنات على الصوت والصورة، لجعل ما تراه أعيننا مفهوماً ومقبولاً.

بالقنوات الفضائية، يعمل المونتير بالشيفت، أي انه يتسلم جهاز المونتاج في ساعة محددة ويسلمه بعد عدد معين من الساعات (ثمانية ساعات في الأغلب) .. بما يعني أنه لا يعمل على ما يريد من برامج وتقارير وبروموهات … بل يعمل على ما يُمليه عليه جدول البرامج، وهذا في رأيي أول ما يقتل حاسة الإبداع لديه.. فقد يكون من هواة العمل على فيديوهات الرياضة مثلاً، غير أن الشيفت يُجبره على العمل على مونتاج لقاء مع محافظ أو برنامج طبيخ أو تقرير عن زراعة الزهور في أمستردام…. وهي نقطة – في رأيي- تأسيسية للتعامل مع تلك الوظيفة بقنواتنا … فإذا كان المسؤول عن وحدة التقارير أو إدارة المونتاج أو أياً كان المسمى، يرى في المونتير ميلاً تجاه برامج “الهلس” فيجب عليه تشغيله في “الهلس” … فهو هنا سيبدع وسيعطي العمل أكبر قدر ممكن من التركيز.

وعلى ذكر التركيز… فكتالوج معظم من عملت معهم من المونتيرين لا يوجد به ذِكر لتلك الكلمة.. فالمونتير – في الأغلب- لا يلق بالاً لما بين يديه من مادة، فكله بالنسبة إليه جزء من الشيفت، والمعظم مرتبط بمواعيد تسليم صارمة يجب عليه الالتزام بها … والمونتير لو ركز قد يستغرق في صناعة تقريراً واحدا سيظهر على الشاشة لمدة ثلاثة دقائق، ما يقرب من الساعات الثمانية المذكورة ، وهو ما لا يمكن السماح به على الإطلاق.

إذن، فنحن بصدد شخص مبدع، فنان بالفطرة، تضغط عليه الحالة المزاجية ويفتقد للتركيز في معظم الأحوال.. نحن نتحدث عن مهنة لن تكفيها الـ 500 كلمة المطلوبة ، لذا فسنتحدث عن المزيد من التفاصيل حول المونتير في حلقتنا القادمة إن كان لنا عمر.

لكم المودة بلا حدود.

تواصل مع الكاتب عبر فيسبوك من هنا 

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر هنا 

اقرأ أيضًا:

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (7).. الريجيسير V.S العلاقات

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (6).. إنسان الإيربييس

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم (5).. من الإيربيس للرئيس

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم.. المقال الرابع: في أهمية الـ Q

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثالث (البديع الفظيع)

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الثاني (التايتل)

أشرف أبو الخير: سلسلة كونترول رووم .. المقال الأول (البروضيوصر)

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على فيسبوك من هنا