طارق الشناوي يكتب : محمد كامل القليوبي ...«في ستين ألف سلامة»!

قبل أكثر من 25 عاما نشرت الجرائد خبر رحيله، كان قد قدم فيلما تسجيليا عن رائد السينما المصرية المجهول، اول من كتب ومثل واخرج وأنتج الأفلام الضابط السكندري المظلوم في تاريخنا محمد بيومي، واستطاع القليوبي وعلى نفقته الخاصة، إنقاذ تراث بيومي من الضياع، كان الفيلم قد حصل على الجائزة الأولى كأفضل فيلم تسجيلي طويل من مهرجان دمشق (( السيف الذهبي))، مذيع الحفل السوري قال جائزة المخرج محمد القليوبي لفيلمه عن المخرج الراحل محمد بيومي، اختلط الأمر على محرري الصحف المصرية والعربية بين بيومي وقليوبي، وعدم حضوره المهرجان أكد اللبس،ونشراسمه في اكثر من جريدة رابطا بينجائزة القليوبي الذهبية ورحيله المفاجئ عن عالمنا.

أول مرة أرى محمد كامل القليوبي ، كان يرتدي قميصا من الجبس عائدا لتوه من موسكو بعد ان حمل رسالة الدكتوراة عن السينما المصرية، لم يمنعه حائل الجبس المنيع ،وكانت بصحبته زوجته الرائعة الروسية، ما الذي دفع القليوبي لحضور هذا الاجتماع ،أنها أزمة السينما المزمنة ،وكان لديه ما يقوله ،ولكن طبعا ظلت أفكاره حبيسة ادراج وزراء الثقافة الذين تتابعوا على الكرسي.

عشقه للسينما المصرية دفعه لتحقيق رسالة الدكتوراة عن معشوقته، وعلى عكس أغلب الأساتذة المتخصصين والأكاديميين، كان يرى في حسن الامام طاقة نور وقدرة استثنائية لتقديم روح السينما المصرية وقدم دراسة لا تنسى عن الامام ((مخرج الروائع )).

القليوبي ينتمي لجيل متمرد ،ربطته صداقة بل توأمة مع الكاتب والمخرج داوود عبدالسيد، لا يوجد سيناريو كتبه داوود إلا وعين القليوبي هي اول من يقرأ ويعقب، فلم تكن هناك أدنى حساسية بين الصديقين، داوود أيضا كان أول من قرأ للقليوبي سيناريو (( 3 ع الطريق))، وهو الذي رشح لبطولته محمود عبدالعزيز واتصل به، كان محمود قد لعب بطولة (( الكيت كات)) لداوود، ولهذا تحمس لتجربة القليوبي، والفيلم ينتمي ل((سينما الطريق)) حيث يتيح الانتقال من مكان إلى أخر ويحقق في نفس الوقت التنوع والتشويق ،وحظي الفيلم بمكانة استثنائية ومثل مصر في اكثر من مهرجان دولي.

كان القليوبي بطبعه بعيدا عن الصخب الإعلامي، مثلا قبل 15 عاما شاهدنا بطل ومنتج فيلمه(( خريف ادم)) هشام عبدالحميد يملأ الدنيا ضجيجا لاختيار فيلمه لمسابقة الاوسكار الرئيسية،لأول مرة في تاريخنا العربي، لأننا نشارك مثل اغلب دول العالم في اوسكار افضل فيلم أجنبي التي تعني _ غير ناطقبالانجليزية _، ولكن هشام كبطل ومنتج للفيلم عرضه تجاريا في أمريكا فأصبح من الناحية القانونية من حقه أن يشارك في الأوسكار العام. أقام المنتج والبطل الأفراح والليالي الملاح ابتهاجا بالحدث، ولكن الفليوبي، كان يدرك أن المشاركة هنا فقط شكلية ،لأن الفيلم انطبقت عليه الشروط، وبالفعل خرج الفيلم ،من التصفيات المبدئية للأوسكار، فلم يشفع له في البداية سوى الموسيقي التصويرية ،لراجح داوود التي تجمع بين الربابة والاوركسترا السيمفوني بما يتوافق مع رائحة واجواء الصعيد، وكانت تلك هي رؤية القليوبي .

الزمن تغير وضاق المتاح أمام كل الجيل ولكن القليوبي، لم يستسلم أنشأ مؤسسة((نون )) الثقافية، واقام مهرجان الأقصر للسينما الأوربية، الذي اصبح بعدها عربيا واوروبيا، وعندما حانت الفرصة لنقله إلى ((شرم الشيخ)) كان القليوبي متحمسا ،ولكن بعض الأصوات تمسكت بالأقصر وثبت خطأها ،والدليل أنه سيقام الشهر القادم في شرم ،ولكن بدلا من أن يحضر القليوبي ليفتتح المهرجان سوف تُهدي إلى روحه دورة المهرجان.

من أهم أفلام البدايات فيلمه عن رائد السينما (( محمد بيومي)) ،ومن أهم أفلام النهايات عن رائد الكوميديا (( نجيب الريحاني في ستين ألف سلامة))، واتذكر أنني اعترضت على العنوان لما يحمله العنوان من سخرية ،فقال لي ان تلك كانت رغبة نجيب الريحاني التي اوصي بها قبل رحيله، وأنه شخصيا يتمنى أن يقولوها عنه، عزيزي القليوبي سأنفذ وصيتك ((في ستين ألف سلامة))!!