أحمد فرغلي رضوان يكتب: البائع..وأسئلة حساسة حول المجتمع الإيراني

لا يمكن أن تغفل كمشاهد إسهامات السينما الإيرانية في الدراما الإنسانية لدرجة أوصلتها لحصد أهم الجوائز بمهرجانات السينما العالمية وصولا لأوسكار الفيلم الأجنبي والتي نالها مخرج هذا الفيلم “البائع” أصغر فرهادي في عام 2012 عن فيلمه الشهير “انفصال”.

يعود المخرج بأحدث أعماله “the salesman” ليطرح من جديد أسئلة حول مكانة المرأة بالمجتمع الإيراني وهي قضية شائكة وقديمة وكذلك أسئلة حول الدوافع الأخلاقية لتصرفات البشر، وهنا تجد دائما ان السينما الإيرانية تقدم مفاهيم واضحة للخير والشر والحلال والحرام وينظر لها العالم على أنها تشكل جسرا بين الغرب والعالم المسلم رغم ما تشكله من مفاهيم غير مألوفة للجمهور العالمي.

في فيلم “البائع” والمرشح بقوة لأوسكار أفضل فيلم أجنبي هذا العام، يجيد المخرج أصغر فرهادي كعادته رسم شخصياته بعناية شديدة ويجعلك تعيش معها جميع مراحل حالاتها الإنسانية منتبها بأحاسيسك طوال الأحداث من خلال سيناريو أعده بحرفية شديدة مع تصاعد مثير ومشوق للأحداث “نال جائزة أفضل سيناريو من مهرجان كان” ومع إن البداية “بسيطة” دراميا حيث يقرر زوجان نقل سكنهما إلى مسكّن أخر بعد أن تضرر الأول بالزلازل والإصلاحات من حوله، حتى الأن تبدو الأحداث هادئة، ونعرف أن الزوجان يعملان كممثلان في فرقة مسرحية “للهواة” حيث يقدمان عرض “موت بائع متجول” لأرثر ميللر! ولكن يفاجأنا المخرج بحدث هام في الثلث الأول للأحداث حيث يعود الزوج ليجد زوجته نقلت إلى المستشفى بعد تعرضها لحادث إعتداء شديد ترك أثاره عليها “دون كشف تفاصيل” تاركا المشاهد يتابع السيناريو الإنساني المثير، نكتشف أن البطلة تعرضت لصدمة نفسية ماذا حدث؟ لا نعرف سوى ان شخصا مجهولا قد هاجمها! ويأخذك بعد ذلك المخرج لتعيش في حيرة حتى المشهد الأخير! كذلك تعمد المخرج اخفاء شخصية “فتاة الليل” التي كانت تستأجر الشقة قبل الزوجين وتستقبل بها زبائنها، رغم أنها محور للحدث الرئيسي للفيلم وذلك لكي يترك الحرية أكثر لخيال المشاهد تجاه هذه الشخصية المركزية والتي كانت نقطة تحول لأحداث الفيلم وهنا اشارة “جريئة” من المخرج لوجود مهنة “الدعارة” داخل المجتمع الإيراني الذي يوجد داخله تناقض إجتماعي كبير! كذلك استخدم المخرج الكاميرا في تصوير “تلميحات” ذكية مثل ترك الساكنة القديمة لبعض الاثاث والمحتويات في غرفة مغلقة بالشقة وهو ما أعطى شعورا بالغموض وعدم الأمان! كما أستغل تدريبات الزوج والزوجة مع فرقتهم المسرحية لإظهار التناقض بين شخصياتهم في الفيلم والشخصيات التي يقدمونها في المسرحية! تذكرت هنا رواية “أفراح القبة” لنجيب محفوظ.

خلال الأحداث يمر المخرج على تفاصيل إجتماعية وإنسانية غاية “الدقة” بين الزوجين “عماد ورنا” وما سببه ذلك الحادث من ألم نفسي لهما وهنا نشعر بقيمة الحب بين الرجل والمرأة، وكيف ممكن ان يتصرف الرجل في حادث بالغ “الحساسية” ويمس الشرف، يقدم الفيلم درس في التعامل الإنساني في مثل تلك الظروف التي يتعرض لها الأشخاص رغما عنهم وكذلك “حكمة الانتقام” والتي تكون مفاجئة ومثيرة للمشاهدين! وخلال الأحداث يلفت نظرك الاداء الرائع للبطل شهاب حسيني حاز على جائزة أفضل ممثل في كان عن دوره بالفيلم وكذلك الممثلة ترانه عليدوستي والتي أعلنت مقاطعتها لحفل الأوسكار القادم اعتراضا على “عنصرية” ترامب تجاه إيقاف التأشيرات لعدة دول بينها إيران.

العنف مشكلة عالمية!

الفيلم واقعي جدا حول الصعوبات التي تسود بين العلاقات والقانون والإنتقام فنعيش مع فيلم “البائع” جزءا هاما من الحياة الإجتماعية الإيرانية للطبقة المتوسطة والتي باتت أكثر المتضررين الأن داخل إيران ورغم إنه يتحدث عن موضوع حساس، لكنه يعالجه بحرفية عالية وقصة درامية جيدة جدا تعبر بدقةً عن مأساة أخلاقية وإجتماعية، وما ينتج عنها من عنف وهو ما جعله يواجه هجوما من نواب في البرلمان وسياسيين إيرانيين عقب ترشحه للأوسكار وحصده لجوائز عالمية! الفيلم حصد جائزة أفضل سيناريو وأفضل ممثل في مهرجان كان وجائزة أفضل فيلم غير ناطق بالانحليزيةً من الأتحاد الوطني للنقاد في أمريكا ومرشح بقوة لاوسكار أفضل فيلم أجنبي.

المخرج والذي صور فيلمه “سرا” في إيران حاول الإلتفاف قدر الإمكان على المحاذير المفروضة عن تصوير مشكلات المجتمع الإيراني وأمراضه فالمرأة الإيرانية لازالت غير حرة في إختياراتها ومُسيطر عليها بمختلف جوانب حياتها وهو ما يشير له الفيلم عندما لم يلجأ الزوجان “للقانون” بعد حادث الاعتداء وبدت “رنا” مستسلمة لما حدث لها ولا يوجد لها رغبة في الإنتقام حتى والجاني يقف أمامها!

ولكن المخرج أصغر فرهادي يقول أن “أحد اكبر المشكلات في العالم هو العنف، ولاسيما العنف الذي يراه مرتكبوه انه عنف مشروع، وهو ما يجعل العنف خطيرا، وهذا ما يعاني منه العالم بأسره وليس فقط ايران”.