فوبيا العاجل بالفضائيات المصرية: جتهم عاجل في مصارينهم

أشرف أبو الخير

الهوية، والتي ينطقونها بالانجليزية (Identity)، هي هذا العماد الذي تبنى عليه القنوات الفضائية، هي ذلك الهاجس الذي يشغل بال كبار القيادات هناك، وتجدهم دوما صارخين، حين يعنفون أحد موظفيهم، سائلين، “أهذه هي هوية المحطة؟؟” … فالكل على استعداد للتضحية بأي شئ إلا هوية المحطة… فمحطة المنوعات تظل محطة منوعات، والمحطة الرياضة لا تتماهى مع شقيقتها الإخبارية ، وقنوات السياسة لا تتزاوج مع قنوات الأطفال .. و قس على ذلك كما شئت في نوعية كل برنامج، طريقة كل مذيع.. وهكذا.

ولكنك تعلم كما أعلم، أن نطق الكلمة بالانجليزية بشكل صحيح، لا يعني على الإطلاق أننا نعيها، ونعرف مدلولاتها بحق، وكمثال على ذلك سنأخذ مثال واحد قد يستغرقنا أياما تلو الأيام لتحليله وتفنيده في فضائياتنا المحلية.. وهو الشريط أحمر اللون صاحب الكلمة الرنانة… عاجل.

بادئ ذي بدء يسعدني التوجه بالشكر والتهنئة لواحدة من أحدث فضائيات الأخبار العربية الشهيرة، حيث أختارت لنفسها أن تُلَوِن شريط العاجل لديها باللون الأصفر، لتغرد بعيدا عن سرب الفضائيات (الإخبارية وغير الإخبارية) العربية التي قلدت بعضها البعض، وأزعجتنا على مدار السنوات الماضية باللون الأحمر بدرجاته حين ترغب في إخبارنا بأن هناك مصيبة ما … فجزيل المودة والتقدير.

أما عن حال الفضائيات المصرية، وعودة لمعركة الهوية، فيسعدني القول أن هويات بعضهم تعاني بشدة، فالبعض يتعامل مع توقيع بروتوكولات التعاون بين الوزارات على أنه خبر عاجل.. والبعض الآخر يتعامل مع خبر وفاة الفنانة “فاتن حمامة” على أنه خبر (عادي) يجوز تأجيله لعشرات الدقائق مما يفقد الخبر صفة العاجل… والبعض وهم الأروع بين الجميع يكاد شريط الأخبار العاجلة لا ينقطع من على شاشتهم تقريبا، مهما كان محتوى الخبر الملون بالأحمر… وما سبق لا يؤكد فقط أنهم غير مقدرين لخطورة ما يفعلون، وإنما الأنكى أنهم لا يفهمون بالفعل أين تصب هويات محطاتهم!! كما أنهم وبالتأكيد لا يفهمون طبيعة الأحرف الأربعة ع ا ج ل .

طبقا لفهمي وتقديري الشخصي، فالخبر أنواع مختلفة ومتدرجة في نسبة قوتها، وهي النسبة التي تتحدد قياسا على عدد من المعايير:

1- هوية المحطة / طبيعة المادة الإعلامية التي تقدمها .. ومثال على ذلك فمأساة استاد الدفاع الجوي التي حدثت قبل أيام – قد – لا تكون غير ذات أهمية من الأساس بالنسبة لفضائيات الأغاني والأفلام والفضائيات الدينية المتخصصة مثلا.

2- المزاج العام للمشاهدين، ورغم أن المصطلح فضفاض بشدة، إلا أن أي موظف بمحطة فضائية ذو مستوى ذكاء متوسط، يعلم بكل تأكيد أن وزير الصناعة حين يفتتح مصنعاً في مدينة صغيرة، فذلك وبنسبة كبيرة لا يمت لأي عاجل بأي صلة، إلا لو كان هذا المصنع يعاد إفتتاحه بعد تدميره بقنبلة نووية من قبل.. مثلا… ولذا فاحترام ذكاء المشاهد ومزاجه العام في تقبُل صفة العاجل تقع في نفس أهمية الخبر نفسه.

3– علاقة المحطة بالنظام الحاكم، وهنا دعنا نفترض أن هناك محطة تلفزيونية مكسيكية، قامت (في العلن أو في الخفاء) على موارد حكومية مكسيكية، أي أن الحكومة/ النظام الحاكم، هو من يصرف على المحطة فعلياً، فوقتها يكون من المعتاد أن يتحول خبر خطوبة بنت الحاكم الحسناء على ابن عمدة مكسيكو سيتي إلى خبر عاجل بجدارة .. وتلك النقطة بها إشكالية غاية في البساطة وهي أن المشاهد الطبيعي يفقد إهتمامه وشغفه بالمادة الإعلامية في ذلك النوع من المحطات سريعا .. وللمزيد من الشرح راجع موقف المشاهدين من التلفزيون المصري إبان ثورة الخامس والعشرين من يناير.

ومرادي مما سبق يتلخص في أن المحطات الفضائية المصرية بالعموم، تتصرف وكأنها لا تعي أساساً ماهية العاجل، فما حدث قبل ساعات قد يتحول عندهم إلى عاجل، وما يحدث أمامهم على الشاشات قد يرفضون عرضه على الناس بحجة أنه لا تأكيدات وصلتنا، لا توجد بيانات رسمية، أو لأن (أ.ش.أ)* لم تنشر الخبر بعد … بالمختصر أن الحس الصحفي المتعلق بفكرة العاجل لديهم لا وزن له طالما لم تأتِ الأوامر بعد.

في واقعنا المشرق، لا يهتم السادة المسئولون/ العاملون بالقنوات الفضائية المصرية، على الإطلاق بوضع الأخبار في الميزان وتقييمها لثوان قبل عرضها لنا كأخبار عاجلة.. هل الخبر يستحق؟ .. هل يستوجب وضعه في إطار الخبر العاجل؟… هل تكرار اللون الأحمر قد يُفقد الأخبار مغزاها؟؟

هم يا سادة – بالعموم- لا يثقون في شبكة مراسليهم، لا يثقون في الفيديوهات المصورة، لا يثقون في زملاؤهم بالمواقع الإخبارية أو القنوات الأخرى… هم فقط يثقون في بريدهم الإليكتروني، وتليفوناتهم التي يتلقون الأوامر من خلالها … ذع الخبر أو لا تذيعه، وليس من حقهم الاستفسار، فقط الإذعان بدون أدنى مناقشة.

ولهذا وبمرور الزمن فقد المشاهد اهتمامه بالفضائيات المصرية، فقد أصبح يعلم يقينا أنهم إما يضللونه بأخبار ناقصة، أو يخدعونه بشريط أحمر بلا طعم وبلا خبر حقيقي .. أو يوهمونه بأهمية المكتوب على شريطهم الأحمر الذي لا يكاد يُرفع من على الشاشة … وللإجمال فالمشاهد المصري يهرب للفضائيات العربية والأجنبية، الذي قد يؤمن بتنفيذها لأجندات دول وكيانات.. ولكنها على الأقل تمارس قدرا أقل من التضليل والخداع والإيهام.

حين أكتب لسيادتكم الآن كلمة “كرسي” فإن هناك صورة ذهنية/ حسية .. ستقفز في أذهانكم فورا، فالكل يتفق على معنى وحيد للكرسي مهما اختلفت أشكاله.. وكذلك علمونا بالمدارس أن كلمة ” عاجل” لها مدلول ومعنى وحيد لا تمارسه معظم قنواتنا الفضائية المحترمة.. مع الأسف.

لكم المودة بلا حدود.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
أ.ش.أ : اختصار لـ وكالة أنباء الشرق الأوسط .. وهي وكالة الأنباء الرسمية المصرية

اقرأ أيضًا:

الأصلي الطاهر .. عمر بن طاهر

الشعب يريد أكرم حسني

HABLA!! .. أو أبلة فاهيتا

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على فيسبوك من هنا