طارق الشناوي يكتب : السينما فى 2016.. «فيها حاجة حلوة»

نقلاً عن المصري اليوم

السينما فى هذا العام الذى أوشك على الرحيل تمنحنا قبلة الحياة، نعم هناك أفلام متواضعة عديدة تجاوزت المسموح والممكن والمحتمل من المواصفات القياسية المتعارف عليها فى حدود الرداءة، ولكن لماذا لا ننظر إلى تلك الأفلام باعتبارها مثل دودة القطن لا نعثر عليها إلا فى وجود قطن فتصبح هى إحدى العلامات الصحية والصحيحة على وجود حياة سينمائية.

السينما فى 2016 أشبه بالبوفيه المفتوح، فيها من كل صنف ولون، التجارى والفنى وأيضا الذى يدعى أنه فنى وهو ليس كذلك، والذى يرتدى زى التجارى، بينما لا أحد يُقبل عليه، سينما تقدم عددا من المخرجين الجدد يتجاوز عشرة فى أولى تجاربهم الروائية، وتستطيع أن تقول بضمير مستريح «لم ينجح أحد» إلا اثنان وعلى «الحُركرك». الراحل حسين الإمام، الذى عرض له أول ومع الأسف آخر أفلامه كمخرج «زى عود الكبريت» الذى شاهدته قبل عامين فى مهرجان القاهرة- نجح فى توجيه تحية لوالده المخرج الكبير حسن الإمام ولكن التجربة فنيا لم تكتمل، وهناك أيضا شادى الرملى «أوشن 41» الذى نجح فى تقديم فيلم تجارى ساهمت أغنية أحمد شيبة «آه لو لعبت يا زهر» فى ذيوعه ولا تزال هى بالمناسبة الأغنية الأولى والأكثر مبيعا، بينما الأسماء الأخرى لم ألمح لديهم شيئا يستحق أن يحملوا به لقب مخرج، من الممكن أن تدرك أن الدافع الوحيد للاستعانة بهم هو ضآلة الأجر الذى يتقاضونه وخضوعهم المطلق لشركات الإنتاج لتنفيذ أوامر صاحب المحل. هذا العام شهد من المخضرمين، الراحل الكبير محمد خان «قبل زحمة الصيف» وأيضا يسرى نصرالله فى أول تجربة له فى سينما المنتج السبكى «الماء والخضرة والوجه الحسن» وخالد الحجر فى «حرام الجسد»، لى ملاحظات عديدة على الأفلام الثلاثة تناولتها فى تلك المساحة، إلا أن هذا التواجد يؤكد أن الأجيال الأسبق لا يزال لها مكان.

وصلنا إلى رقم 41 فيلما استقبلتها دور العرض، وهو يتوافق تقريبا مع السنوات الثلاث الأخيرة، نعم المتوسط الرسمى للسينما المصرية عبر تاريخها هو 60 فيلما، ولكن مع الزمن، انخفض بمعدل الثلث، والأمر ليس له علاقة بثورة 25 كما يتبادر للذهن، لأن هذا هو الرقم الذى نتعامل معه قبل أكثر من 15 عاما، شهد العام غياب عادل إمام للعام السادس على التوالى، حيث أصبح يكتفى باللقاء عبر الشاشة الصغيرة فى مسلسل رمضانى، وأتصور أن ما يعوق تواجده السينمائى، برغم كثرة الطلب عليه، هو معادلة اقتصادية، لها بُعدها النفسى، عادل لا يقبل أن يتراجع أجره عن الرقم الذى وصل إليه قبل ثورة 25 يناير وهو 16 مليون جنيه- قبل تعويم الجنيه- بينما نجوم السينما الشباب لديهم مرونة أكبر فى التعامل مع قانون السوق الحالى الذى يجبرهم على هامش من التنازل الرقمى، ولهذا فإن غياب عادل مع الأسف سوف يستمر، خاصة أنه وجد على الجانب الآخر أن الفضائيات تضمن له 40 مليونا فى المسلسل، فقرر أن يكتفى بإطلالة رمضانية كل عام وحتى إشعار آخر.

غاب أيضا هذا الموسم محمد رمضان ولأسباب رقابية وليست تسويقية، حيث إن هناك اعتراضات واجهها فيلمه «جواب اعتقال» إخراج محمد سامى، ومن المنتظر أن يعود فى مطلع العام بفيلم آخر وهو «آخر ديك فى مصر» لعمرو عرفة، وربما يأتى «جواب اعتقال» فى موسم إجازة الصيف.

من هو النجم الأول بالأرقام؟ بدون منافسة أحمد حلمى الذى تجاوز رقم 40 مليونا فى فيلم «لف ودوران» إخراج خالد مرعى، الفيلم فنيا يقع فى إطار المتوسط حيث تجاوز حلمى ومرعى فى لقاءاتهما السابقة مثل «عسل اسود» هذا الفيلم، كان من المهم بعد غياب عامين، أن يثبت حلمى أنه لا يزال يشكل الجاذبية الأكبر للجمهور. ونأتى إلى الفيلم الثانى فى الإيرادات «جحيم فى الهند» لمعتز التونى، ربما لو قرأنا الرقم صامتا وبلا ظلال سيعتبر البعض أن محمد عادل إمام هو المنافس لحلمى، فلقد تجاوز 30 مليونا، إلا أن هذه قراءة متعجلة، النجم الجماهيرى هو الذى تقطع التذكرة من أجله، وعندما تدخل إلى دار العرض يُصبح هو مفجر الضحك الأول لو كنت بصدد فيلم كوميدى، ولكن الحقيقة أن محمد إمام فى «كابتن مصر» العام الماضى و«جحيم» هذا العام، يحقق النجاح الرقمى وسط مجموعة من نجوم «مسرح مصر» القادرين على اقتناص الضحك، والجمهور يقطع التذكرة فى مثل هذه الأفلام مقابل عدد «القهقهات»، ونصيب محمد منها قليل، صحيح أن الأفيش يضعه فى البؤرة كما أن الصحافة تلعب دورا فى تسويق هذه الكذبة أنه نجم جماهيرى من الطراز الأول، بل نصبه البعض خليفة الزعيم، إلا أن التوريث فى الفن هو المستحيل بعينه، لأنك لن تستطيع توجيه ذوق ومشاعر الناس، صحيح فعلها سياسيا حافظ الأسد ولكن فشل فى تحقيقها حسنى مبارك. رقم محمد عادل إمام يشبه مثلا أن تعتبر إيرادات فيلم «هيبتا» الذى حل ثالثا بنحو 26 مليون جنيه إلى عمرو يوسف، متناسيا أن إيرادات الفيلم تسند هذه المرة للمخرج هادى الباجورى، والدليل أن عمرو لعب فى نفس العام بطولة فيلم «كدبة كل يوم» لخالد الحلفاوى ولم يحقق إيرادات تذكر.

الحديث عن النجوم والايرادات يدفعنا للتوقف أمام «من 30 سنة» عمرو عرفة بطولة أحمد السقا، الذى حل رابعا فى الإيرادات، لم يقف بالطبع السقا منفردا كان معه النجمة منى زكى والنجم شريف منير، ولكن الذى يتصدر الأفيش ويتحمل المسؤولية الرقمية هو السقا، ولم يحقق المنتظر، نعم الفيلم على المستوى الدرامى والإخراجى، لم يكن هو الأفضل وسبق أن تناولته هنا فى تلك المساحة، فهل معنى ذلك أن السقا يأتى ترتيبه كنجم جاذب للجمهور بعد محمد إمام وعمرو يوسف؟، بالتأكيد لا، لايزال السقا اسما يملك مواصفات نجم الشباك.

كانت هناك أكثر من محاولة لتدشين نجوم جدد مثل على ربيع فى «حسن وبقلظ» لوائل إحسان ولكن الرقم لم يقل سوى أن الرهان عليه ممكن، بينما أحمد فهمى نجح فى «كلب بلدى» لمعتز التونى، فى أول تواجد منفرد له بعيدا عن رفيقيه شيكو وهشام ماجد اللذين لم يوفقا فى «حملة فريزر». حسن الرداد هذا العام يعتبر اجتماعيا لصالحه بعد عقد قرانه على إيمى سمير غانم، بينما فنيا فى «عشان خارجين» لخالد الحلفاوى شهد تراجعا عن فيلمه الأخير «زنقة الستات». محمد رجب على مدى عشر سنوات، وهو يحاول وتتعدد هزائمه الرقمية وآخرها «صابر جوجل» إلا أنه لا يكف عن المحاولة. محمد سعد فى «تحت الترابيزة» أتصورها الأخيرة له فى البطولة، بعد أن تراجع كثيرا ليس للذيل لكن ما بعد الذيل، فلقد صار خارج الرقعة تماما.

لا تزال المرأة بعيدة عن المقدمة الرقمية، باستثناء ياسمين عبدالعزيز التى وصفتها بأنها «سبارتاكوسة» السينما المصرية، فإذا كان سبارتاكوس هو محرر العبيد فى عهد الرومان، فهى تلعب هذا الدور سينمائيا مع نجمات السينما من جيلها اللاتى تراجعت حظوظهن فى البطولة المطلقة خلال السنوات العشر الأخيرة، وارتضين بأدوار أصغر فى سينما توصف بأنها سينما الرجل. ياسمين فى فيلم «أبوشنب» لسامح عبدالعزيز تتحمل مسؤولية الشباك وتقف فى مركز متوسط، بالتأكيد ليس رقما متميزا ولكنها تستطيع أن تقول وبالفم المليان «نحن هنا».

لديكم مثلا منة شلبى فى فيلم «نوارة» لهالة خليل و«الماء والخضرة والوجه الحسن» ليسرى نصرالله، طبعا هى التى تتحمل المسؤولية فى الفيلم الأول ولكن بلا جاذبية شباك، ليلى علوى لم تعد قادرة على الجذب الجماهيرى «الماء والخضرة والوجه الحسن»، ولكن لا يعنى ألا تتواجد فى البطولة المشتركة، إلهام شاهين لا تنتظر أن يطرق بابها منتج بل تتحمل المسؤولية، وسوف تواصل رغم أن التجربة بحساب الورقة والقلم فى «يوم للستات» لكاملة خاسرة رقميا، يحسب لها أن ما حققته فى الفن تدفعه للفن، لا تكف غادة عبدالرازق عن المحاولة وفيلمها «اللى اختشوا ماتوا» لاسماعيل فاروق هو محاولة أخرى باءت بالفشل، غادة يتم تسكينها كنجمة تليفزيونية لها مساحتها وجمهورها ولها أيضا مشروع كل عام، القدرة على الجذب السينمائى يبدو أنها صارت مستحيلة، وهى لا تعترف بالمستحيل.

هل الثورة تشكل جذبا دراميا للسينمائيين؟ نعم مثلا «نوارة» لهالة خليل يقدم إطلالة على ثورة 25 يناير من خلال عين الخادمة نوارة التى لا ترى سوى المكاسب والخسائر الشخصية، وهى بهذا المقياس خسرت الكثير، والفيلم فى عمقه يؤازر الثورة ولكن البعض على عجالة اعتبره يقف على الجانب الاخر منها. ولدينا فيلم «اشتباك» لمحمد دياب عن ثورة 30 يونيو والأيام التى أعقبت الثورة، الفيلم يدعو لاحترام الانسان بعيدا عن التوجه السياسى، ولكن البعض اعتبره فيلما إخوانيا ولا أدرى السبب، الدولة تعاملت بحذر، وعدد من أصحاب دور العرض، نافقوا الدولة ولم يسمحوا له بشاشات كان يستحقها، إنه الفيلم الذى شرف السينما العربية بالعرض فى افتتاح قسم «نظرة ما» فى «كان»، نعم صرحت الرقابة واشترطت كتابة يافطة لأنها تخشى من سوء الفهم بأنه ضد ثورة 30 يونيو، فكانت مثل من ينفخ فى الزبادى، لأن الكاتب والمخرج محمد دياب كان واحدا ممن نزلوا إلى الشارع يوم 30 لإزاحة الإخوان عن الحكم، ولم يكن هذا هو الفيلم الوحيد الذى مثلنا فى مهرجان عالمى، لدينا قبلها فى برلين «آخر أيام المدينة» تامر سعيد فى قسم «المنتدى»، وأتصور أن الفيلم سوف يواجه أيضا مشاكل فى العرض التجارى ولن يرحب به، وأغلب الظن أنه لن يجد سوى سينما « زاوية» التى تحتضن فقط مثل هذه التجارب التى تغرد خارج السرب.

السينما المصرية أطلت علينا بكل حيوية وتدفق فى أفلام شاهدناها قبل أيام من نهاية العام فى مهرجان «دبى» وهى لا تدخل بالطبع فى التقييم لأنها لم تعرض تجاريا، إلا أنها منحتنا أوكسجين التفاؤل، لدينا ثلاثة مخرجين محمد حماد «أخضر يابس» الحاصل على جائزة أفضل مخرج وشريف البندارى «على معزة وإبراهيم» وجائزة على صبحى أفضل ممثل، ومحمد رشاد فى الفيلم التسجيلى الطويل «النسور الصغيرة»، هؤلاء وغيرهم بلا شك سوف يضيئون وجه السينما المصرية فى 2017.