حمى التقليد.. Egyptian black day

نرمين سعد الدين

تهافت المصريون بالأمس على المولات والهايبر ماركت للاستفادة من الخصومات في تلك الأماكن بمناسبة ما يسمى بالبلاك دي تقليداً للبلاك داي في الولايات المتحدة الأمريكية، وتباينت الأراء على مواقع السوشيال ميديا ووسائل الإعلام بسبب التهافت الغير مسبوق على الشراء بينما تمر مصر بأزمة اقتصادية طاحنه، فنرى هذا يغمز ويلمز على تلك الأعداد الكبيرة بينما يشتكون من الفقر والأزمة متناسيا أن هذا الحشد على كثرته لا يمثل 1% من تعداد السكان بمصر، وذاك يبدي غضبه من المسمى ويعترض من وجهة نظر دينيا، مع مزيد من الكوميكس والسخرية والقفشات كالعادة ولكن لم يتطرق أي شخص أو يحاول البحث عن أصل هذا الحدث ولم يحدث في أمريكا دون عن غيرها من البلاد الأوروبية والأمريكية.

يرتبط البلاك داي في الولايات المتحدة الأمريكية باحتفالات عيد الشكر، وهو إجازة وطنية في الولايات المتحدة الأمريكية وكندا، ويقال أنه لشكر النعم وللشكر على حصاد العام الذي أشرف على نهايته.

ويحتفل به في الولايات المتحدة الأمريكية في الخميس الرابع من شهر نوفمبر من كل عام، وفي كندا في الإثنين الثاني من شهر أكتوبر

عيد الشكر هو بالأساس عيد ديني يحتفل به في أوروبا وآسيا لأسباب دينية ولكن الوضع في أمريكا وكندا مختلف حيث يعود لأسباب سياسية واجتماعية، فيعود الاحتفال بعيد الشكر إلى أوائل القرن السابع عشر عندما بدأت هجرة الأوروبيين إلى القارة الأميركية.

يقال الأمريكيون في نشرتهم الخاصة بالأعياد الرسمية الصادرة من وزارة الخارجية – مكتب الإعلام الخارجي أن عدد من المواطنين الأنجليز حوالي 400 شخص استقلوا قارب خشبي فارين من الأضطهاد الديني قاصدين العالم الجديد عام 1620م، وكانت رحلة طويلة وشاقة مات فيها الكثير منهم بسبب التعب والجوع والمرض.

واستقر بهم المقام في النهاية إلى الشاطئ الشرقي لولاية ماساشوستس وكان ذلك في شهر نوفمبر  عام 1621م،  وتزامن وصولهم مع دخول فصل الشتاء الذي يتميز بالبرد القارس والأمطار الغزيرة علاوة على الثلوج التي أهلكت معظمهم فمر عليهم الشتاء الأول مرورا صعباً فلم يكن لهم ما يزرعونه، ولم يكن هناك مياه صالحة للشرب، مما أدى ذلك إلى وفاة الكثيرين منهم.

وبعد فصل الشتاء تقرب هؤلاء القادمون من سكان البلدة الأصليون المعروفون بالهنود الحمر فعلموهم الزراعة، وصيد الحيوانات والأسماك، وفي خريف 1621م حصدوا ما زرعوا فأصابوا خيراً كثيراً، وبعد فترة قرر المهاجرون الذين تحولوا إلى مواطنين أميركيين بعدما استوطنوا العالم الجديد الاحتفال بالنعمة التي منّ بها الله عليهم في بلادهم الجديدة ووجهوا الدعوة إلى الهنود والقبائل التي ينتميان إليها للاحتفال بما أسموه حينذاك عيد الشكر وتناولوا فيه الديك الرومي في مأدبة مهيبة استغرقت الليل كله تبادلوا خلالها الأنخاب مع السكان الأصليين من الهنود.

وقد صار ذلك عادة لهم كل خريف إلى أن أصبحت أمريكا بلداً مستقلاً، فأوصى مجلس الشيوخ لديهم بجعل يوم كل عام عيداً للشكر يحتفل به الأمريكان.

وهكذا تحول عيد الشكر إلى مناسبة سنوية للاحتفال بالنعم التي يتمتع بها الأميركيون.

ويقول هوارد زين في كتابه “التاريخ الشعبي للولايات المتحدة الأمريكية، أنه تقليد جلبه المتشددون الإنجليز معهم إلى ما اسموه بنيو إنجلاند ( إنجلترا الجديدة) وبعد تفاصيل كثيره عن رحلة كولومبس والتخلص من سكان الأرض الأصليين الذين أطلقوا عليهم ( الهنود )، تم إعلان أعياد الشكر الدينية في ولاية ماسوشيتس الحالية في 1623م واسموه مهرجان الحصاد والذي بدأه في نيو إنجلند البروتستتاني بيكر، ومن قبل المستكشفين الأسبان في ولاية تكساس، أي أنه بدأ احتفالا دينيا بالأساس ثم تحول بعد حركة الاستقلال الأمريكية لمناسبة قومية عندما أعلن جورج واشنطن يوم 26 نوفمبر عيد شكر في البلاد.

ويُعتبر هذا العيد عطلة رسمية في أميركا، ويشترك في الاحتفال به سائر الأميركيين بمختلف طوائفهم وأعراقهم، لأنه عيد علماني وليس دينيا، يحتفل به داخل البيوت ويجتمع خلاله أفراد العائلة على مائدة الطعام وإقامة وليمة يكون نجم الاحتفال فيها هو الديك الرومي.

يلتهم الأميركيون في عيدي الشكر والكريسماس أكثر من 11 مليون ديك رومي وآلاف الأطنان من اللحوم الحمراء ومختلف أنواع الجبن والمخللات، ثم يستيقظون باكرا في اليوم الموالي للوقوف أمام المحلات التجارية الكبرى من أجل الاستفادة من التخفيضات الكبيرة التي تعلنها تلك المحلات بمناسبة البلاك داي، التي تعد أشهر مناسبة للتسوق في أميركا طوال العام، فيخرج الآلاف من الناس للوقوف في صفوف طويلة منذ الساعة الرابعة صباحا

وتحرص شبكات التلفزيون المحلية على إيفاد مراسليها لتغطية حمة الشراء التي تصيب الأميركيين في ساعات الصباح الأولى من هذا اليوم

وبالرغم من أن هذا الاحتفال وذلك التقليع صنيعة أمريكية 100 % إلا أنه انتقل منها إلى عدد من دول الوطن العربي ليعد يوما للشراء خاصة مصر، فيتهافت الكثير من المصريين للشراء والاحتفال بالبلاك داي رغم أن أغلبهم لا يعلم أنه يوم للتسوق للاحتفال بمناسبة سياسية اجتماعية أمريكية، بل الأمر والأدهى من ذلك أن تخفيضات البلاك داي في أمريكا هي تخفيضات حقيقية يتبارى فيها اصحاب المحلات للمشاركة في الاحتفال بعيدهم القومي بينما هو في مصر هو غالبا خدعة يلجأ التجار فيها لوضع اسعار وهمية عالية ثم كتابة سعرها الحقيقي وربما أعلى من الحقيقي أيضاً