نهى عاشور تكتب : الدولة التي تجبرت

قبل أسبوع خرج من يدعي انه إعلامي ليقول للجميع في حضور رئيس الجمهورية إن الإعلام تجبر، ورغم اختلافي معه تماما، إلا أنني اعتقد أن ما قاله يصلح وصفا للدولة التي “تجبرت”. لم تمر سوى ساعات قليلة علي قرار محافظ البنك المركزي بتحرير سعر الصرف ووصول الدولار رسميا إلي ١٤ جنيه، حتي خرجت علينا الحكومة بقرار أكثر خطورّ وتأثيرا علي جموع الشعب المصري بعد رفع الدعم عن أسعار الوقود.

القراران في مثل هذا التوقيت بالذات يؤكدان بما لا يدع مجال للشك أن “الدولة تجبرت” علي هذا الشعب الذي لم يجد من يحنو عليه. النظام بكامل أركانه قدم الشعب المكلوم فريسة ضعيفة لشروط قرض صندوق النقد الدولي، ينهش في ماتبقي من فتات عظام الطبقة الوسطي، التي بدأت في الاندثار، بعدما دهس النظام بكل قوته علي الفقراء، وبدم بارد خرج المسئولون يوهمون الناس بأن قرارتهم تلك لا تمس محدودي الدخل.

النظام تجبر عندما نسي أن رأس الدولة توعد امام الملايين قبل انتخابه رئيسا للبلاد “بعد سنتين هتستعجبوا مصر وصلت لكدا ازاي”، والحقيقة أننا كمصريين بحسن نية فهمنا الوعد الرئاسي غلط وكنا نظن أننا “نور عينيه”، لكن بعد العامين استعجبنا حقيقة من سذاجة ظننا بمن جاء لكرسي الحكم من غير برنامج انتخابي من الاساس. الدولة تجبرت عندما صمت أذنها عن كل استغاثات أصحاب الرأي المتزن ولم تتراجع عن خططها الاقتصادية غير المفهومة للكثير من المحللين الاقتصاديين، فما بالك بالمواطن البسيط، حتي وقعت علينا نكسة “عامر ” في نسخته الجديدة ٢٠١٦.

تجبرت الدولة ولم تعد تري او تسمع ما وصل إليه حال شعبها من فقر وتجويع وإذلال للحصول علي أبسط السلع الغذائية وأصبح التكالب للوصول إلي كيس سكر انتصار كبير يحكيه الرجل مساء لأولاده ليتفاخروا به أمام الجيران. تجبرت الدولة وهي تقامر بالاسعار علنا دون أي اهتمام منها بردة فعل المواطنين الغلابة ، واكتفت فقط بدور “الشيطان يعظ”، وهي تطالب المواطنين بالحد من تخزين السلع، غير الموجودة اساسا، لتلهينا عن سبب الأزمة الحقيقي، والذي تعرفه جيدا وتلعب وتقامر لمصلحته فقط، ثم يأتي صاحب المصلحة الذي لا شريك له لينقذ البلاد والعباد وينعم علينا من جيوب الأسياد ويحتكر حتي الزاد.

تجبرت الدولة وأشعلت الصدور نارا ببنزين رفعت عنه الدعم ، لينام المصريين ليلتهم يحلمون بوجه سائق الميكروباص بعد أن رفع سعر تعريفة ركوب الميكروباص للضعف، و غالبيتهم يتوقعون مصير من يرفض دفع الزيادة الكبيرة في الأجرة من وصلة لعنات وسباب وربما يجبره السائق للنزول من الميكروباص علي الطريق الدائري في العراء.