يا عزيزى كلنا عاطف

محمد حمدي سلطان - مقالاترغم أنه مر على إنتاجه أكثر من 16 عامًا ورحل بطله علاء والى الدين رحمه الله عن عالمنا ، لازال فيلم ( الناظر ) حاضرًا بقوة فى أذهان المشاهدين وكأنه عُرض منذ عام أو عامين على الأكثر ، ويتضح هذا الأمر فى الاستخدام المُكثف لإفيهات الفيلم ومشاهده فى صنع العديد من ( الكوميكس ) و( الفيديوهات ) الساخرة على مواقع التواصل الاجتماعى حتى يومنا هذا .. هو فيلم جميل حقق نجاحًا كبيرًا جدًا وقت عرضه ولكنه بمرور الزمن زادت قيمته وتحول إلى أيقونة حقيقية وأحد أهم ما قدمته سينما الشباب – أو المُضحكين الجُدد كما أسماهم النقاد وقتها – منذ بدايتها على يد النجم محمد هنيدى عام 1998 .

أسباب كثيرة هى ما جعلت هذا الفيلم دون غيره يتحول لأيقونة تعيش حتى اليوم . منها بالطبع وجود مخرج عملاق مثل شريف عرفة ( وهو صاحب فكرة الفيلم أيضا ) وكاتب متميز كان له نصيب الأسد فى كتابة أفلام هذه المرحلة وهو المؤلف أحمد عبد الله والذى قام بتحويل فكرة عرفة إلى سيناريو رائع وبسيط وممتع ، الفكرة نفسها كانت إحدى عوامل الجذب ، فالفيلم يطرح قضية جادة تشغل بال الجميع ، وهى قضية تطوير المناهج التعليمية ( والتى لم تتطور حتى يومنا هذا بالمناسبة ) ولكنه يطرحها وسط أحداث كوميدية مضحكة بشكل سلس وبسيط ، دون وعظ أو خطابة ..

14642596_682492818592974_644746857_n

كل هذا جميل بالطبع ولكن السبب الاهم فى رأيى هو أن شخصيات الفيلم – وعلى بساطتها – مكتوبة بعناية وإتقان وحِرَفية شديدة ، أبدع عبد الله فى رسم تفاصيل كل شخصية بمهارة لا تقل عنها مهارة شريف عرفة فى اختيار الممثل المناسب تمامًا لكل دور وهذا ينطبق على أغلب نجوم العمل ، ولكنى أود التوقف تحديدًا أمام أحمد حلمى ودور ( عاطف ) صديق البطل الساذج والذى يتورط معه فى كل مشاكله وهمومه دون أن يبدى أى ضيق أو اعتراض ، عندما تتأمل شخصية عاطف جيدًا تشعر وكأن أحمد عبد الله كتبها تحديدًا لاجل هذه الأيام الغبراء التى نعيشها الآن ، فقد توصلت إلى قناعة تامة بأن ما نمر به من أزمات متلاحقة وأوضاع اقتصادية وسياسية بائسة ومأساوية ، وما نعيشه من أحداث كوميديا سوداء بشكل شبه يومى لن نستطيع تفادى أضراره ومواصلة حياتنا بشكل طبيعى إلا فى حالة واحدة وهى أن نتحول جميعا إلى نسخة من عاطف الصديق الوفى والمخلص للناظر صلاح الدين ، فإذا أردت ان تعيش فى مصر 2016 دون أن تكتئب أو تُصاب بالجنون أو تفكر فى التخلص من حياتك فعاطف هو الحل .. هتقولى واشمعنى عاطف ؟ هقولك حالاً يا سيدى ..

1- فى أول مشهد لعاطف فى الفيلم كان عايز يعدى الشارع ، وعندما كان الطريق خاليًا ظل واقفًا فى مكانه يبتسم فى براءة ثم قرر يعدى عندما جاءت سيارة مسرعة كادت أن تصدمه ، أى أنه ببساطة ماشى بالعكس أو بيعمل عكس اللى المفروض يعمله ، بذمتك .. أليست البلد كلها الآن تتبع نفس سياسة عاطف .. أليس كل ما تراه حولك يسير بالمقلوب أو يمشى بالعكس .. إذن فلتكن أنت أيضا عاطف حتى تستطيع أن تجد لنفسك مكانًا وسط هذا السيرك ..

14610580_682491995259723_100012266_n

2- فى نفس المشهد تعرَّض عاطف للسِباب من قائد السيارة التى كادت أن تصدمه ( يا حيوان يا متخلف انت يا اطرش ) ولكنه لم يُعره أى اهتمام وكأنه غير موجود أصلاً وظل محتفظًا بابتسامته وواصل طريقه فى هدوء تام ، وهذا هو الدرس الثانى من عاطف ، ( البرود ) .. يجب أن تكون باردًا إلى درجة تستطيع معها تحمُل هذا الكم اليومى من الاستفزازت التى تتعرض لها فى حياتك البائسة ، وليس تحمُلها فقط بل يجب ألا تراها وكأنها غير موجودة من الأساس .

3- برغم أن عاطف لم يكن له أى دور حقيقى فى المدرسة – ولا فى الفيلم كله – إلا أنه كان يواظب على الذهاب إليها مع صديقه الناظر صلاح وظل واقفًا بجواره حتى وهو شايفه بيغرق المدرسة وبيوديها فى داهية .. لم يفكر فى أن يتدخل او يُعارض أو يقول رأيه حتى لا يوجع دماغه على الفاضى ، فلتستمتع أنت أيضا بالمشاهدة بضمير مستريح فليس فى يدك ما تفعله ..

14643056_682490315259891_512913173_n

4- ليس معنى وقوف عاطف بجوار صديقه كما ذكرت أنه كان ( بيطبله ) بالعكس ، كان صريحًا معه لأقصى درجة منذ اللحظة الأولى فى أول مشهد يجمعهما ، عندما اشتكى له صلاح : أنا مفيش أى حاجة جديدة فى حياتى يا عاطف .. فرد عليه ببساطة : انت طول عمرك ممل يا صلاح .. قد يكون شخصًا سلبياً او باردًا او بيكبر دماغه لكنه على الأقل مابيطبلش ، فمينفعش تطبل لصاحبك الناظر لو عايز تبقى عاطف ..

5- تعرض عاطف طوال الفيلم لمواقف صعبة ومحرجة ومهينة ، ورغم ذلك ظل محتفظًا بابتسامته دائمًا حتى وهو بيتضرب ويتبهدل ، ربما خوفًا من أن يتم اتهامه بخلق مناخ تشاؤمى ، وهو ما يجب أن تحذر منه أنت أيضا وتحتفظ بابتسامتك فى كل وقت مهما تكاثرت عليك المصاعب ..

6- عندما أرسله اللمبى ليشترى له طعامًا ، عاد إليه ليقول ( انا لقيت الفرن زحمة جبتلك جرجير ) وبرغم أن هذا التصرف لم يعجب اللمبى الذى لا يحب الجرجير ، إلا أنك أنت شخصيًا ستكون مُجبرًا على الاقتداء بعاطف ومحاولة التصرف مثله ، فهذه الأيام قد تبحث عن السكر ولا تجده ولا يكن أمامك بديلاً سوى الجرجير لتشتريه .

https://www.youtube.com/watch?v=Nqd-pZzOmqo&feature=youtu.be

 7- عاطف شخص واقعى جدًا وهو تقريبًا بلا أى طموحات وليس لديه أى مواصفات خاصة لفتاة أحلامه بدليل ان أول واحدة قابلته وهى ميس انشراح بتاعة الانجليزى ارتبط بها فورًا ، فإذا أردت الارتباط فى ظل ما نعانيه من ظروف صعبة فلا تحلم بواحدة مثل نانسى عجرم أو هيفاء وهبى .. كن واقعيًا مثل عاطف واعرف ان ( الليفل ) بتاعك آخره هيكون واحدة زى ميس انشراح وده لو لقيتها أصلاً ..

14625346_682487238593532_649452051_n
8- عاطف شخص توافقى جدًا ولا يحب الاختلاف أو التمرد ، ففى أثناء رقصته الشهيرة مع ميس انشراح عزم عليها ( حبيبتى أجيبلك شاى بليمون ) فردت ( ميرسى كتير انا لسه ضاربة كشرى ) فابتهج بشدة وقالها ( معقولة انا كمان لسه واكل كشرى إيه التوافق ده ) فلتبحث عن التوافق مثل عاطف أو مثل الكشرى نفسه الذى هو عبارة عن حالة توافق بين 6 أنواع أطعمة مختلفة فى طبق واحد ، او مثل حزب النور الذى يجيد التوافق مع أى سلطة بمهارة تتفوق على مهارة الكشرى ..

9- مشكلة عاطف الأساسية طوال أحداث الفيلم أنه – وباستثناء صلاح فقط – مكانش فيه أى حد من أبطال الفيلم بيفتكره ، ( انا عاطف يا لمبى اللى كنت معاكوا فى الفصل ) ( مش فاكرك ياض ) وهكذا بدأ الفيلم وانتهى ولم يتذكره احد أو حتى يشعر بوجوده سوى ميس انشراح – وطبعًا عشان هتتجوزه – وصلاح الذى لم يهتم بالأمر أو يجد فيه أى مشكلة ، رغم انه قال لسيد ضاهى أو الفنان ( حسن حسنى ) وكيل المدرسة عندما اشتكى له من صديقيه ( اللمبى هنبلغ عنه انما عاطف مقدرش استغنى عنه أبدًا ) .. هكذا كان عاطف لا أحد يتذكره أو يهتم لأمره ، ورغم ذلك فإن وجوده فى مُنتهى الأهمية ليتم استخدامه فى بعض الأحيان كمجرد ( ديكور ) .. ألا يذكرك هذا الامر بشىء ؟ نعم بالضبط .. فالمفاجأة أنهم بالفعل يرونك عاطف ويتعاملون معك على هذا الأساس سواء شئت أم أبيت ، فخليك عاطف بمزاجك أحسن .. !

 

https://www.youtube.com/watch?v=Nqd-pZzOmqo