خالد البرماوي يكتب: خطة إغراق ماسبيرو

خالد البرماوي - مقالات

نقلا عن المصري اليوم

عشرون عامًا تقريبًا والحديث يدور بحماس عن خطة لا تثمر أبدا لتطوير تليفزيون الدولة الرسمي «ماسبيرو»، ماذا جنينا في النهاية من وراء ذلك؟ وماذا جنى ماسبيرو؟ لا شيء، لا شيء أبدا.

بالعكس، تدهورت الأوضاع بصورة كارثية، وبتنا نتحدث الآن عن خطة إنقاذ لا خطة تطوير لهذا المبنى العملاق الذي يقع على مساحة 12 ألف متر.

ولكن هل حقا يمكن إنقاذه؟ والأهم هل «دولة الآن» تريد إنقاذه؟!

دعونا نتوقف هنا قليلا، ودعونا أيضا نكون صرحاء وعمليين لأقصى حد ممكن.

بعاطفة أقل وضمير أكثر، يمكن الجزم بأن الدول خلاص اتخذت قرارها بخصوص ماسبيرو، وبات واضحا للجميع أنها أعطته ظهرها، وتركته ليواجه مصير غرقه المحتم.

في الوقت الذي لم يتوقف فيه الحديث الحالم عن إنقاذ الوضع.. طالع هذا الرابط ستجد طنا من النوايا الطيبة.

*****

يناير 2016.

ظهرت على ما يبدو محاولات أخيرة لإنقاذ ماسبيرو، تم على إثرها إطلاق برنامج تحت اسم مستفز وأناني جدا «أنا مصر»، جمعوا له فريقا غير متجانس تماما، تحت قيادة كانت تلتمس طريقها لأول مرة في سوق الإعلام، واستعانوا ببعض الخبرات الخارجية من قناة mbc مصر، وبالمناسبة هذه الكفاءات كانت تنتمى في السابق لنفس التليفزيون.

دون الدخول في تفاصيل كثيرة، فشلت المحاولة سريعا، وانتهت تماما في 6 أشهر تقريبا.

فماذا يكون الحل؟

من يتابع المشكلات التي تتعرض لها مصر، يعرف جيدا منهج دولة الآن في التفكير، وطريقتها المتوقعة في الحل؛ فهي لا تعرف أبدا غير إجابة واحدة لأي سؤال: «ارمى على الجيش»، فحملته بأعباء فوق ما يمكن أن تحتملها أي قوى عسكرية في الدنيا؛ أنهكته بتصديرها الكوارث الواحدة تلو الأخرى.

فأرغم على الدخول في مشروعات المياه والصرف الصحي والإسكان والطرق والتغذية والطاقة والصحة والتعليم.

تحدث مشكلة حريق في مبني فيتم استدعاؤه، نوه في الإسكندرية فيتدخل، وكل مادا قائمة المهام تطول لتشمل كل شيء وأي شيء تقريبًا؛ الدور الآن يبدو أنه على الإعلام.

هذا المنهج ليس فقط يرهق جيشنا الوطني العظيم، ويفقده تركيزه ويجعل بؤرة اهتمامه مشتتة ومنصرفة عن مهماته الرئيسية، وسط ظروف عصيبة ومنطقة مشتعلة بالحروب والصراعات، وحدود ملتهبة من كل جانب؛ ولكنه أيضا يضعف القطاع المدني، ويعطل محركاته المعطوب أغلبها.

صحيح، جميعنا يعرف أن دولاب العمل الحكومي- بما فيه ماسبيرو- مهترئ وفاسد ومعطل، ولكن هل الحل بتطنيشه، هل الحل بركنه جانبا، وتركه على حاله دون محاولات جادة وجذرية للإصلاح وتصويب المسار.

*****

«محدش فاهم الدولة توجهها إيه بشأن ماسبيرو والإعلام الرسمي وتطويره»، هذه تصريحات لأسامة هيكل، وزير الإعلام الأسبق، ورئيس لجنة الثقافة والإعلام بمجلس الشعب، لصحيفة اليوم السابع، يوم 25 سبتمبر الماضي.

تخيلوا تصريحا مثل هذا، ومن شخص مفترض أن تكون الإجابة في صلب مسؤولياته، الرجل يعترف «أنا مش فاهم»؛ هذا سبب آخر يخبرنا كيف تسير الأمور.

وإن الواقع على الأرض لا يترك مساحة للفكاكة، فالصورة واضحة وفجة، وبطريقة يصعب معها أن نصدق أن شخصا بحجم أسامة هيكل «مش فاهم»!

أنظر حولك يا أخي، دولة الآن لم تكن يومًا متجاهلة للإعلام ودوره، بل العكس هو الصحيح، إنها مركزة أكثر من اللازم معه، ليس بهدف تنظيمه أو تطوير الإعلام الرسمي، ولكن لرسمنة- إن جاز التعبير- الإعلام الخاص وجعله يعزف نفس اللحن بحذافيره، دون هوامش للاختلاف، أو مساحات تميز زيد عن عبيد.

ومع ذلك هذا لا يبدو كافيا أو مرضيا أو مغنيا عن تأسيس مؤسسات إعلامية موازية مملوكة لأجهزة الدولة، لكنها ليست ملك الدولة؛ عروستي.. بالضبط كدا.. والمفترض أن الجمهور المستهدف لن يلاحظ الأمر!!

هذا أمر محبط للغاية، أن يتفتق ذهن دولة الآن أن طريق إنقاذ الإعلام الرسمي هو تجاهله تماما، على طريقة «انسف حمامك القديم»، واعجن كيان جديد موازيا تعمل على إدارته نفس العقول التي فشلت في إدارة وتطوير الإعلام الرسمي، والمفترض أن نقتنع أن هذه الخلطة العجيبة المريبة لديها فرصة للنجاح.. آه يا دماغي.

*****

نأتي للسؤال الآخر، هل حقا يمكن إنقاذ ماسبيرو؟

الواقع يقول إن الأمر صعب للغاية، مبنى متخم بديون وصلت لأكثر من 23 مليار جنيه، عدد عاملين يفوق الـ 43 ألفا، بيئة عمل طاردة للإبداع وأغلب الكفاءات هجرته، منظومة الفساد نخرت العظام، والأهم من كل ذلك أن جسور الثقة مع الشعب مقطوعة بصورة يصعب وصلها.

إذاً، ليس هناك أمل.

هذا صحيح، فيما يتعلق بماسبيرو تحديدا، ولكن يجب أن يكون هناك أمل وعمل لخلق إعلام خدمة عامة رسمي ومعلن بديلًا لماسبيرو، إعلام رسمي بحق وحقيقي، يلتزم بالخطوط العريضة التي تسير عليها الدولة، ولكن قبلته دائما تجاه الشعب، وميزانيته ترصد وتراقب من قبل نواب الشعب، وهناك تجارب عالمية كثيرة يمكن أن تطبق لو هناك جدية، لو يعنى.

الحل واضح ومعروف ومجرب: منظومة إعلامية رسمية جديدة تماما، منظومة إعلامية رقمية بالأساس، مع بعض القنوات الفضائية والإذاعات المتخصصة؛ والأفكار والخبرات المصرية القادرة على التنفيذ كثيرة ومتوفرة؛ ولكن هل دولة الآن تريد ذلك؟ هل الدولة الآن تريد إعلاما رسميا حرا ومهنيا ومستقلا، أشك كثيرًا.