علاء الغطريفي يكتب: «سولى».. أرجوك لا تقتلنا..!!‎

نقلًا عن “المصري اليوم

أن تخاطر بحياة آخرين ويكون مصيرهم فى قرار منك، فذلك هو اختبار الحياة بالنسبة لأى قائد، ومن ثم فإن ذلك القائد أياً كان عليه أن يأخذ بالأسباب وأولها خبرات السنين والقدرات الذاتية والنفسية والعلم أيضاً، وإذا لم يكن حاسماً، أو متردداً، أو تنقصه الجدارة، فإن النتيجة كارثة إنسانية لأنه لم يكن أهلاً للقيادة ومن ثم الحفاظ على حياة البشر.. الطيار «سولى» قرر أن يكون ذلك القائد الذى قرر بذكاء الشيب وتراكم السنين واسترجاع المواقف المشابهة أن يُنقذ حياة 155 شخصاً، رغم أنه ألقى بهم فى عرض نهر «هادسون»، وهو ما يعد فى حوادث الطيران موتاً محققاً للجميع بلا استثناء، فلم ينجُ قط شخص من مصير النهاية فى سقوط طائرة على صفحة نهر.

القديران.. البطل «توم هانكس» والمخرج «كلينت ايستوود» يتجولان بنا فى ذات إنسانية تعرضت لأقسى ظرف فى حياة أى شخص، أن يقرر مصيره ومصير الآخرين فى لحظة، ويلازمه الصواب وتنجو الأنفس من النهاية المأساوية، ويتحول الكابتن «سولنبرغر» أو «سولى» إلى قصة عن البطولة لرجل أصبح فى نظر مواطنيه رمزًا، وإذا كانت العناية الإلهية لعبت دوراً فى النجاة فإن «سولى» كان مبعوث تلك العناية، لأنه تصرف كمسؤول وأول ما فعله بعد أن خرج من طائرته -التى فقدت محركيها بعد اصطدامهما بسرب من الطيور- هو السؤال عن ركاب الطائرة وكم عدد الناجين، رغم أن التجربة التى تعرض لها كفيلة بأن تتوقف معها عضلة قلب أى بشر، فقد كان يحمل بين يديه أرواحاً بشرية ظلت معلقة فى رقبته حتى لحظة النجاة.

سولى» يمنحنا نموذجاً إنسانياً عن المهنى الذى يؤلف من حياته سيرة لإيصال البشرية فى سلام عبر الجو، لم يفكر فى سلامته أولاً بل تذكر ركاب الطائرة ولم يكن عنيداً وأخذته العزة بالإثم، بل حتى عندما تجاوز قواعد السلامة المقررة عند تعطل محركات الطائرة، غلبته التجارب وتاريخه المهنى فكان قرار الهبوط فى نهر هو السلامة وليس العودة إلى أقرب مطار والذى إن حدث كانت الطائرة قد اصطدمت بأحد أبراج نيويورك أو سقطت قبل وصولها إلى المهبط الذى أقلعت منه.

«سولى» دافع عن العامل البشرى رغم أن مجلس السلامة الوطنية وجه إليه اتهاماً بتعريض حياة الركاب للخطر، وهو ما يتنافى مع مزاج عام صنع منه أسطورة يفخر بها الأمريكيون، وكان فى طريقه إلى التقاعد وسحب شارة الطيران الخاصة به لولا دفاعه العاقل الحكيم عما فعل هو ومساعده، وواجه أعضاء اللجنة المكلفة بالتحقيق معه وكان النصر حليفه، لأنه كان بشراً التزم بعهد وقسم لسلامة الناس ولم يفارق التاريخ والخبرة المهنية، ولم يكابر ولم يستسلم، بل ركز فيما يريد وأنقذ الركاب بحرفة الأيام والسنين.

«توم هانكس» و«أرون إيكهارت» و«كلينت ايستوود» جلبوا لنا المتعة بفيلمهم الرائع الراقى «سولى» وأعطونا درساً فى الحياة «القيادة هى الحفاظ على حياة الناس وتحسين واقعهم والحفاظ على مستقبلهم»، فالقائد الحق من يصنع للناس أملًا فى الحياة.