مروى جوهر عن "المغنى" : لم يظلم النوبيين

IMG_2255
مروى جوهر

هذا المقال ليس لحساب فصيل سياسى على آخر، هذا المقال سرد لوقائع وتوضيح حقائق يتغافل عنها البعض عن قصد من أجل ما يطمحون اليه أيا كان، مساحة هذا المقال لا يسع كل الوقائع التي يجب أن تسرد كما ينبغي، نحتاج كتاب.

من يهتم لقضية النوبة يدرك أن المأساة بدأت سنة 1902 مع بناء خزان أسوان الذى أدى الى ارتفاع منسوب المياه فأغرق عشرة قرى نوبية تم تهجيرهم، ثم التعلية الأولى سنة 1912ليغرق ثمانى قرى أخرى ثم التعلية الثانية 1933 لتغرق عشرة قرى أخرى.

وفى خمسينيات القرن الماضى كانت النية لاقامة السد العالى وتم تهجير أهالى النوبة الى الجنة الموعودة الى هضبة كوم امبو (نصر النوبة حاليا) عام 1963 التى أسموها لاحقا فى أغانيهم جهنم الحمراء خلف السد، كان الأمر صعب على الجميع لكن وعد الدولة وحب الزعيم “عبد الناصر” حينئذ جعلهم يشعرون أن هذه التضحية العظيمة لن تذهب هباءً.

صدق النوبيون الوعد، فالدولة تنقذ حياتهم من الغرق وتنقلهم الى جنة أخرى، حين ذهبوا ورأوا بيوتهم الجديدة كانت الصدمة قاسية وتركت الأحداث أثرا سيئا في نفس النوبيين ورثه أبنائهم وأحفادهم الى الآن، وورثت عنصرية موجودة عند الغالبية الى الآن، خاصة أن الدولة لم تبدى اهتماما كافيا بالقضية النوبية ولم تبذل أي جهد لتحسين أحوالهم المعيشية التي تبدلت منذ ذلك الحين ولم تعد كما وعدوهم أبدا، فبعد أن كان النوبى يعيش ملكا على ضفاف النيل يشتغل بالزراعة والصيد ويرتبط بالنيل ارتباط الفرعونى به في كل طقوسه وعاداته فإذا به يعيش في صحراء قاحلة وبيئة ليست صالحة للمعيشة ومن هنا جاءت الهجرة الاختيارية (في رأيى) وسافر النوبى الى العاصمة وغيرها من المدن كالاسكندرية من أجل لقمة العيش التى باتت غير موجودة بأرضه، بعدها مارست الدولة اللامبالة تجاه القضية على مر عقود، كان ولابد أن يسأل النوبى عن الوعد الذى تجاهلته الدولة، ولكن الدولة تعرف تماما أننا المصريين يغلب علينا سمة النسيان، فخير الأمور تهدئة روع الشاكى ووعود أخرى غير محددة التاريخ فحن دائماً الى نوم عميق وصحوة قصيرة.

جاء المغنى “محمد منير” حاملا رسالة وهموم وشكوى وخبرة سنوات طويلة، أراد أن يتكلم كثيرا مع جمهوره عبر الشاشة في وقت أكبر من كلامه أثناء الحفلات، لم يجىء باحثا عن الانقسام الذى يحدث الآن فى النوبة وأسوان ككل، هو ليس مؤرخ تاريخى، وهو ليس حكراً على أبناء مسقط رأسه “النوبة”، “منير” مغنى مصري لكل المصريين أراد تقديم عملا يفتح الأبواب المغلقة والأمنيات المحبوسة وليس “سبوبة أو نحتاية” كما وصفه مريدون الشهرة، المسلسل يرمى الشرارة على نقاط الضعف في مصر وليس النوبة فقط وما أكثرها دون تركيز، قالوا في سذاجة أنه لابد من استغلال جماهيريته العريض فكُلف بمهمة طبع صور مغلوطة عن أزمة تهجير النوبيين ، الأمر الذى أبكى جمهوره من فرط الضحك، وبالرغم من أن مسلسل المغنى بالأساس لا يتناول القضية النوبية تحديدا الا أنه أول مسلسل مصري يعرض قصة التهجير في حوالى 90 ثانية فقط، الأمر الذى جعل دكتور شريف صبرى يضع بعض الاسقاطات لتوصيل إحساس الأمل في المستقبل والخوف منه ممزوج مع معاناة النوبيين أثناء تهجيرهم، فوقوع الفتاة في المشهد يدل على معاناة الهجرة من الأرض والبيت، صورة الزعيم “عبد الناصر” التي سقطت ثم حملها الابن بناءاُ على تعليمات الأب فيه إشارة الى ان هناك من صدق الوعد حينئذ وكان على أمل كبير (وهذا حكاه ووثقه النوبيون كثيرا حينما تكلموا عن صدمتهم عندما رأوا بيوتهم الجديدة وسط الصحراء) والصدمة لا تأتى الا بعد أمل، السيدة التي رفضت أن تغادر المنزل دون تنظيفه إشارة الى أن نظافة النوبيين رغم ظروف معيشتهم وربما دلت على حلمهم بالرجوع اليه مرة أخرى (بعض الروايات تؤكد أن المهجرين احتفظوا بمفاتيح البيوت الخشبية ذكرى عزيزة أو أملا دفينا في الرجوع)، وهو الأمر الذى يُأخذ على صبرى حيث أن الاسقاطات لن يفهمها العامة من الشعب المصرى، صحيح أن هناك بعض النقاط الفنية الضعيفة كون البواخر فخمة بدلا من الصنادل الا أن المسلسل شأنه في ذلك شأن سائر الأعمال فهو عمل آدمى غير منزل من السماء، ثم أنه من غير المنطقى أن أحكم على العمل ككل في الحلقة الخامسة في حين تنتهى الأحداث بعد 30 يوما!

ولكن هذا هو حالنا فأنا غير مندهشة، الانقسام هو الاتفاق الوحيد المبرم بيننا المصريين، فنحن ملوك المزايدة، ننتهز الفرص لبعض مشهرين الأسلحة في وجه بعض متناسين كل الخير واقفين عند شيء واحد، نهين رموزنا في الداخل ويكرمهم الغرب في الخارج، “منير” شأنه شأن الكثير ممن حدث معه أحداث مشابهة في ظروف مختلفة ومريدين الشهرة خلف الأبواب ينتظرون الضحية التالية دون تعقل.

“منير” لا يملك الا حنجرته ليتكلم بها عبر أغانيه فهو أول مطرب مصري يتحدث عن التهجير في حدوتة مصرية 1982 (منرضاش تهاجر الجذور أرضها)، وتحدث عن قضية النيل قبل حدوثها (النيل سؤال ومازال ماجاش عليه الرد)، في عام 2000 في افتتاح مشروع توشكى تحدث على المسرح عن معاناة النوبيين وأشلاء الأجداد التي غرقت ولم يبيع القضية كما يدعون، في 2010 مع عمرو الليثى تحدث عن تضحية النوبيين أثناء حكم الرئيس “حسنى مبارك” عندما كان السكوت هو السائد والكلام وشوشة لا تصل الى أذن سامعيه وقال “أشعر بالشجن كونى ضحية” وقال “شعرت بالعنصرية داخل بلدى كونى أسمر اللون مع أن لونى جزء من حقيقة مصر”، المغنى أول مسلسل يجسد شخصية نوبية مصرية عالمية عكس تأريخ المسلسلات والأفلام الذى لم يقدم الا عبده السواق وعثمان السفرجى (كامل الاحترام لجميع المهن) وكأن كل النوبيين يعملون فقط بهذه المهن.

“منير” هو الذى صدر مشروع موسيقى النيل للغرب وخاصة موسيقى الجنوب المصرى الى العالم، المغنى المهموم بقضايا البلد فى غنى تام عن هذه الحرب التي طالما حلم بها أعداءه، لا ننسى مواقف الرجل من أجل مشهد أتوا فيه بالبواخر بدلا من الصنادل، فالرجل قال كلمته مرارا وتكرارا ولا يحتاج لمسلسل لشرح موقف.

هذا ليس دفاعا عن “المغنى” فما هو الا عمل فنى له ما له وعليه ما عليه وهناك نقد فنى ينقد نقدا بناءا في آخر الأمر، لكن رسالتى الى هؤلاء:

“النوبة” المجتمع الطيب الآمن أخاف عليك من الانقسام فهو نقمة وفتنة.. أدعوا الله أن يحفظك.

“أعداء النجاح” غباء الحاقد يفضحه.

“منير” … جمهورك يعلم أنك ليس مدفوع الأجر لمغالطة التاريخ، يعلم أنك طالما أعطيت بصدق، يعلم حبك لبلدك بأمانة، يعلم أنك علمت أجيال الكثير، يعلم أنك أخذت على قدر ما أعطيت بحب ورغم العقبات علمتنا أن نستمر بعد العثرات في ثبات، استمر والله معك.

نرشح لك

مروى جوهر تكتب: استنساخ خالد النبوي ‎

بالساعة والدقيقة.. مواعيد مسلسلات رمضان 2016

شارك واختار .. ما هو مسلسل الكرتون الذي تتابعه بانتظام؟ أضغط هنـــا

بنر الابلكيشن