محمد الباز يكتب: الفضيحة الكاملة... حالة تلبس لمجتمع عارى فى شوارع كرم أبو عمر

نقلاً عن البوابة

فى اللحظة التى قرر فيها رجال من قرية ” كرم أبو عمر” بأبو قرقاص محافظة المنيا تعرية السيدة سعاد ثابت من ملابسها، وزفها عارية، كانوا يعتقدون أنهم بذلك يجرسونها، ويلحقون بها العار، ظنوا أنهم يذلونها ويضعون رأسها فى التراب، فبعد أن يصوروا المشهد بكاميرات تليفوناتهم المحمولة ويتبادلونه فيما بينهم، لن يستطيع أحد من أهلها أن يرفع رأسه، وربما خططوا من وراء ذلك أن يخرجوا هذه الأسرة المسيحية وأسر أخرى من أرضهم.

لم يلتفت ذكور القبيلة الى أن العار كان من نصيبهم هم، الفضيحة لحقت بهم قبل أن تلحق بسيدة سبعينة، هذا اذا كان فيما حدث لها فضيحة، فليس عليها الا أن ترفع رأسها، وتضع عينيها فى عين الجميع، لأنها ودون أن تقصد كشفت عورات مجتمع منافق وفاسد ومتناقض ومنحط ومخادع، دون أن تقصد جعلتنا نقف أمام أنفسنا عرايا فى مجتمع يدعى التدين والأخلاق، وهو أبعد ما يكون عنهما تماما، فهو غارق حتى أذنيه فى الوحل.

السيدة المسيحية لم تكن هى الضحية الوحيدة، هناك ضحية أخرى لم يلتفت لها أحد.

لقد مررنا مرورا عابرا على قصة نجوى رجب الزوجة التى اتهمها زوجها بالخيانة، وقامت القيامة بسبب هذا الادعاء، هى فى الحقيقة ضحية لمجتمع من الذكور، يريد أن يحصل على كل ما يريد، حاصدا مكاسبه على جثث النساء وشرفهن وسمعتهن، فالمرأة فى مجتمع جاهل مثل مجتمعنا ليست الا شئ، مجرد شئ بلا قيمة، حتى لو ادعينا غير ذلك، لكنها الحقيقة المؤلمة التى لا تظهر الا فى الأزمات والمواجهات.

زوج نجوى وبعد عودته من رحلة عمل فى الأردن استمرت لأربع سنوات، عاد ليفتتح محلاً للأدوات الكهربائية، شاركه فيه شاب مسيحى هو ابن السيدة سعاد ثابت، قبل أسابيع وقعت بينهما خلافات، أنهت الشراكة، فى الوقت نفسه حدثت خلافات بين نجوى رجب وزوجها وأهله، كما تقول هى، كانوا يسيئون معاملتها.

الخطة كانت جاهزة إذن، اتهام الزوجة بأنها على علاقة بالشاب المسيحى، فتسقط حقوقها المادية بعد الطلاق، وتحرم من أولادها، وفى نفس الوقت لا يحصل الشاب المسيحى على أى حقوق له لدى زوجها.

هدف منحط وخسيس، ولأنه كذلك فكان من الطبيعي جدا أن يترتب عليه عمل أكثر انحطاطا وخسة ودناءة.

الذين قالوا أن الحدث جنائى، أوافقهم تماما على ذلك، لكن لابد أن أقول أننا بهذا نعانى من حالة حول مجتمعى كاملة، ننظر بعين واحدة لما جرى على الأرض، فالحدث نفسه جنائى، حريق ٧ من بيوت القرية، بينهما بيتان لمسلمين امتدت لهما النار بحكم الجوار بالطبع، وتعرية سيدة من ملابسها بهدف قهرها واذلالها والانتقام منها، عمل جنائى متكامل هذا اذا أردنا توصيف الفعل نفسه.

لكن وحتى نكون منصفين وراغبين فى الحل، علينا ان نبحث عن الدوافع الكامنة فى نفوس من تحركوا، من أشعلوا النار، من جردوا سعاد ثابت من ملابسها، الدافع طائفى لا شك فى ذلك، وهو ما جعل الفعل الاجرامى انتقاميا، فلو أن زوج نجوى رجب وأهله يريدون الانتقام لشرفهم، لاكتفوا بالاعتداء على الشاب المسيحى المتهم وحده، بل وبحكم الصعيد واحكامه وأعرافه، كانوا انتقموا من الزوجة التى طبقا لاتهامهم جلبت لهم العار ووضعت روؤسهم فى الطين.

علاج السرطان الطائفى فى مصر لا يمكن أن يكون بإخفاءه وتجاهله والتقليل من شأنه والتعامل معه وكأنه ليس موجودا من الأساس، ولكن بمواجهته ومعرفة حدوده، فالنار ترقد تحت الرماد، لكننا لا نريد أن نعترف، ولذلك فالأحداث تتكرر بنفس الطريقة فى كل مرة، ومن يتعدى يفعل ذلك وهو على قناعة تامة بأنه فى مأمن من العقاب، فكم من الأحداث وقعت على الأرض، وانتهت بالعناق والتقبيل، وكفى الله الجميع شر العقاب.

الكارثة فى الأمر أن المسلم الذي يقدم على إيذاء مسيحى بالقول أو الفعل، يعتقد اعتقادا كاملا أن الله يؤيده فى ذلك، يثق أنه سيحصل على الثواب، فالمسيحى فى ذهنية المسلم العادى كافر حلال دمه ماله مباح ونساؤه مستباحة.

شئ من هذا فطن اليه الأنبا مكاريوس أسقف عام المنيا.

كان الأزهر قد أصدر بيانا تعليقا على ما حدث فى أبو قرقاص، جاء فيه أن أبناء مصر نسيج واحد، لا يجب أن تؤثر فيه أفعال آحاد الناس ممن لا يحكمون عقولهم عند نشوب خلافات، قد تحدث بين أفراد الأسرة الواحدة.

رفض الأزهر فى بيانه كل صور الإهانة والاعتداء من غير نظر الى معتقد المعتدى عليه، ومهما كان سبب الاعتداء فإنه _ كما قال _ يثق بأن الجهات المعنية ستقوم بإعمال شئونها على الوجه الأكمل، ولم ينس الدكتور عباس شومان كاتب البيان أن يحذر من محاولات البعض استغلال الحادث لإشعال الفتنة الطائفية بين أبناء الوطن الواحد، مع ضرورة الالتزام بوحدة الصف وإعمال القانون وتفويت الفرصة على أولئك المتربصين بأمن الوطن واستقراره.

رفض الأنبا مكاريوس بيان الأزهر، فالمعنى من وراءه لم يفوته، وصفه بأنه بيان سياسي، يسعى صاحبه من وراءه الى تهدئة النفوس الغاضبة، وكان الأولى بما جرى بيان دينى، يبين فيه الأزهر الحكم الدينى فيمن يعتدى على المسيحيين، فيمن يستحل بيوتهم ونساءهم، هو يعرف أن هناك أزمة دينية وقفت بقوة وراء ما حدث، وستقف بنفس القوة وراء ما سيحدث بعد ذلك، وعليه كان يجب على الأزهر أن يقوم بواجبه لا أن يتخلى عنه، أن يصلح ما فسد فى عقول المسلمين تجاه المسيحيين، لا أن يكتفى بتوصيف الأمر على أنه عمل فردى، يمكن أن يحدث بين أفراد الأسرة الواحدة.

جناية الأزهر فى حادث أبو قرقاص لم تتوقف عند حدود هذا البيان، بل كانت فيما أعقبه من أحداث.

فطبقا لما جاء فى تقارير صحفية، فقد أكد الشيخ سامح جلال الدين محمد مدير التعليم الابتدائى بمنطقة المنيا الأزهرية، والأمين العام لبيت العائلة المصرية لمركز ومدينة ملوى، فإن أقارب المسلمين المتهمين بأحداث قرية الكرم بأبو قرقاص أبدوا استعدادهم الكامل للتصالح مع أشقاءهم الأقباط، مع استكمال كافة الإجراءات القانونية فى القضية.

ولأن الشيخ سامح ( اسمه من التسامح هنا مجرد صدفة) لا يعمل وحده، فقد أكد أن المفاوضات المبدئية تمهيدا لإجراء صلح بين العائلتين المتشاجرتين بالقرية تمت تحت رعاية وتوجيهات فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف، والدكتور عباس شومان وكيل الأزهر، الذى اتصل به هاتفيا لإيجاد حلول عاجلة لحل الأزمة باعتباره عضوا ببيت العائلة المصرية.

ما قرأته أنت الآن هو العار الكامل بعينه.

وقبل أن تسأل عن العار فيه؟ سأقول لك أن مندوب شيخ الأزهر ووكيله، يقول أن أقارب المسلمين المتهمين أبدوا استعدادهم الكامل للتصالح، فهل أصابنا العمى الى هذه الدرجة؟ وهل من المفروض ان يرفض المعتدى التصالح؟ ما كل هذا الجبروت؟ وكل هذا التعالى؟ لم يحدثنا الشيخ سامح مثلا عما أبداه المجنى عليهم، وهل قبلوا التصالح أم لا؟ أم أنه يعتبر موافقتهم على التصالح تحصيل حاصل، فهم مقهورون بما يكفى، أذلاء بما يكفى، مستضعفين بما يكفى، وليس عليهم الا أن يقبلوا الصلح، لأنه ليس أمامهم طريق آخر غيره.

الخلل فيما أعتقد ليس لدى فى من اعتدوا وحرقوا البيوت وعروا السيدة سعاد ثابت، ولكنه فى عقول من يشكلون وعى الناس، ويصيغون لهم دينهم، ولذلك فلا أمل فى أى حل على الاطلاق، طالما أن هذه العقول هى التى تحكم وتتحكم، فالفتنة مشتعلة لعن الله من تجاهلها.

لا انحاز بالطبع لأن يكون للأزهر أو لغيره من المؤسسات الدينية الدور الأكبر فى حل أزمة أبو قرقاص، أو غيرها من الأزمات الطائفية التى تأتى على شاكلتها، وإن كانت هذه المؤسسات مسئولة عن التردى الدينى الذى وصلنا اليه، فالنار التى اشتعلت فى بيوت الأقباط وراءها آفكار متطرفة، والسيدة التى تم فضحها باركت ذلك أفكار جاهلية، لم تخرج الا من رؤوس المشايخ ومن يشايعونهم ويسيرون وراءهم طمعا فى الجنة ورضا الله، وعلى من أفسد أن يتراجع قليلا، لنبحث عن حل ينقذنا من الهلاك الذى نقف على حافته.

الحل فى القانون وحده، ودعونا نترك الأزمة الطائفية جانبا، ليس مطلوبا من مؤسسات الدولة الا أن تتيح الفرصة للقانون.

أمامنا زوجة مسلمة اتهمها زوجها بأنها أقامت علاقة غير شرعية مع شاب مسيحى، فتقدمت بلاغ ضده الى النيابة تتهمه فيه بالتشهير، وطالبت بالتحقيق معها وفحصها بكل الطرق، وطالبت بإعدامها اذا ثبتت خيانتها، فلا أقل من أن يتم التحقيق فى هذا البلاغ بدقة وسرعة، حتى يحصل كل طرف على حقه.

وأمامنا مواطنون قاموا بإشعال النار فى بيوت ٧ مواطنين خمسة منهم مسيحيين واثنين مسلمين، فلا أقل من ان يعاقب كل من اشترك فى هذا الفعل الاجرامى الشنيع بدون النظر الى ديانة او انتماء سياسى.

وأمامنا أيضاً سيدة سبعينة تم تجريدها من ملابسها عنوة بغرض فضحها والانتقام منها، فلا أقل من مساءلة من قاموا بذلك وعقابهم العقاب القانونى الذى يناسب هذه الفعلة المنحطة، ولا تلتفتوا ما اذا كانت السيدة سعاد ثابت مسلمة أو مسيحية، فهى مواطنة مصرية لها نفس الحقوق وعليها نفس الواجبات.

مكنوا القانون يرحمكم الله… فبدونه لا عيش ولا أمن ولا كرامة ولا استقرار فى هذا الوطن.

نرشح لك

محمد الباز يكتب: الدعاء على الصحفيين بالفضيحة ؟ (لماذا يكرهوننا 2)

محمد الباز يكتب: لماذا يكرهوننا ؟ (1)