خالد البرماوي يكتب: خرافات ديجيتال ميديا المصري أم الأجنبي

نقلاً عن المصري اليوم

انتشرت قبل فترة في الإعلام المصري ظاهرة كتابة اسم رئيس التحرير، ومدير التحرير، والمحررين، وعمال البوفية على الصفحة الرئيسية في المواقع الإليكترونية، الكبيرة قبل الصغيرة، وأين….؟ في Header الصفحة الرئيسية، حيث أبرز وأغلى مساحة إعلانية.

الأفضل والأكثر منطقية واحترافية أن تكون الأسماء في مكان داخلي مخصص لذلك، يعرض بشكل محترف أسماء فريق العمل، ولا مانع من صور شخصية لهم من أول رئيس التحرير وحتى أصغر محرر، مع وضع مختلف وسائل التواصل مع الموقع والمحررين، حتى بحسابات «سوشيال ميديا»، لزيادة الحميمة بين الجمهور والقائمين على محتوى الموقع، هنا يجوز، بل واجب أن يتم ذلك.

*****

للأسف اختراعات ديجتال ميديا في مصر لا تتوقف عند هذه الظاهرة، بل ربما تكون أبسطها، فهناك عشرات الافتكاسات الأخرى، خد عندك، ظاهرة «النشر بالتنقيط»، وفيها يقوم المحرر الجهبذ بإرسال خبر عن مؤتمر صحفي لحزب الهنولولو غدا، ثم خبر آخر أن التجهيزات بدأت، ثم خبر لاحق أن المؤتمر سيبدأ بعد قليل، فخبر ملاصق أن المؤتمر على وشك البدء، وخلاص قرب، فعلا والله قرب جدا، وجوووووول.

وهكذا تستمر المأساة، أخبار متتالية، وصور وفيديوهات لا معنى لها، عن فلان صرح، وفلان الآخر صرح، ثم فلان الأول صرح مرة أخرى، ثم فلان الثاني زعل فصرح مرة أخرى أيضا.

ويتم فرهدة الزملاء في «ديسك»، وتحميل خوادم المواقع فوق ما تحتمل، بصورة لا تفيد أحدا، اللهم إلا العبقري الذي ربط مرتب الزملاء المحررين بعدد القصص المنشورة لهم!

لذا لا تتعجب عندما ترى بعض المواقع تنشر 10 قصص وأكثر عن مؤتمرات صحفية لحزب نص لبة، أو لقاء مع وكيل وزارة، أو جولة مع محافظ.

أتفهم أن يكون كم الإنتاج أحد معايير التقييم، لكن في ديجتال، وفي ميديا بشكل عام ليست المعيار الأهم، إلا من يتعامل بثقافة المتر.

صحيح المواقع الخبرية تحديدا تحتاج إلى كثافة النشر في بعض الأوقات وفي بعض الظروف مع استدامة التحديث، لكن هذا يجب أن يكون وفقا لجدول محدد ونظام نشر يراعي طبيعة الموقع وجمهوره، ويراعى أيضا التصميم والتطوير Development المتبع.

ويبقى دائما المعيار الأهم في ما يقدمه أي صحفي- ديجتال أو غيره- هو قدرته على جذب انتباه الجمهور واحترامهم بمحتوى محترف، تنعكس نتائجه مباشرة على زيادة المشاهدات والمشاركات والتعليقات.

*طبعا هذه النظرية لا تطبق بحذافيرها على كل أنواع المحتوى، خاصة في الأحداث الساخنة المتلاحقة، والقصص ذات الشعبية، فمهرجان كان أو حفل الأوسكار أو مباريات القمة قد تطلب نشر 20 قصة أو أكثر؛ تذكر: بناءً على طلب الجماهير.

*****

ثم تجد الكثير من الزملاء ممن يعملون في الصحف الورقية، يتعاملون مع المواقع الإليكترونية لمؤسساتهم باعتبارها «مكب نفايات»، فهذا موضوع لا مكان له أرسله للموقع، وهذا حوار ممل يجب أن نختصر نصفه في المطبوع، لكن انشره كاملا في الموقع، وهذا كاتب يزن فأرسل مقاله للموقع فقط، حتى باتت الكثير من المواقع بابًا خلفيا للمحتوى الضعيف أو المرفوض من النشر.

وهذا لأن البعض يتعامل مع الصحافة الإليكترونية باعتبار أن «قلبها كبير» ولديها مساحة شاسعة بالهكتارات يمكن أن تسع من الحبايب ألف، وهذا طبعا منطق بلحي بامتياز.

لماذا؟ لأن أغلب المؤسسات لم تكلف نفسها عناء فهم طبيعة الصحافة ديجتال، وطبيعة فهم شرائح استخدام الإنترنت في مصر، وطبيعة القارئ المستهدف واحتياجاته.

نظريًا، قد لا تكون المساحات على المواقع الإليكترونية محدودة، ولكن يجب أن تكون محددة، ويجب أن تستغل بذكاء ووفقا لاستراتيجية واضحة، لوضع قصص بعينها في توقيتات محددة، تناسب جمهورا مختلفا كثيرا كثيرا عن جمهور الصحف المطبوعة، الذي قد ينتظر ويقرأ ما تنشره في الجرنال من البداية للنهاية «دافع فلوس بقى»، لكن على الإنترنت لا يبقى المستخدم أكثر من 3 دقائق في المتوسط، وكل موقع وشطارته.

«المؤسسات التي لم تبدأ بعد في استراتيجية مستقلة لمحتوى موبايل، تسير عكس عقارب الساعة، ويجب عليها أن تهرول الآن، وإلا ستفقد أكثر من نصف جمهورها».

تقرير انوفيشن ميديا لعام 2015.

للأسف أغلب المؤسسات الإعلامية في مصر ليس لديها استراتيجية للديجتال ميديا بشكل عام، ولا خطة سنوية محترفة، فكيف سيكون الحال بالنسبة لاستراتيجية محتوى موبايل؟! مع العلم أن أكثر من 25% من استخدام الإنترنت في مصر العام الماضي كان عبر الهواتف المحمولة، والنسبة تتزايد بصورة كبيرة مقارنة بالأجهزة الأخرى، حسب الاتحاد الدولي للاتصالات ITU.

*****

مثل فاترينة أي محل، يخسر كثيرا التاجر الذي يضع البضاعة أم قرش بجانب البضاعة أم عشر قروش، ويخسر أكثر عندما يكون مضطرا لتغيير الواجهة باستمرار، لان لديه بضائع كثيرة يريد مكانا لعرضها. ويخسر طبعا، عندما لا يٌحدث ويغير بضاعته باستمرار، ولكن يجب أن يكون هذا بالعقل، وبدراسة وتحليل لحركة «ترافيك».

عن ظاهرة «سرعة النشر» والتحديث فى الفاضي والمليان دون رؤية أو هدف محدد أتحدث.

بذمتكم؛ أيهما أفضل أن ينشر أحد المواقع 100 قصة متعوب عليهم كما يقولون، وتحقق 1 مليون مشاهدة مثلا، أم ينشر 500 قصة، لا تحقق أكثر من 200 ألف مشاهدة؟

*****

ما زالنا مع خرافات ديجتال ميديا المصري، فتجد من يضع 15 كلمة في عنوان لبعض الأخبار، فيشرح تقريبا كل المعلومات المهمة وغير المهمة في الخبر، صحيح بعض المواقع العالمية تتبع تكنيك العناوين الطويلة أحيانا، ولكن في القصص الخبرية والتحقيقات، وليس عمال على بطال، وتصاغ العناوين بصورة مشوقة لا تقتل الرغبة لدي القارئ في أن يضغط ويعرف ما حدث.

وتجد أيضًا استسهال كبير في استخدام العناوين الاستفهامية على أي مادة، والبعض يخترع ويضعها في المحتوى الخبري، مثل «تعرف على ما قاله وزير الداخلية عن الصحفيين؟»، وهذه بدعة، لأن الخبر منتج حساس، وسريع التلف، لا يحتمل اللعب فيه، ويجب أن يكون مباشرا وصريحا، دون افتكاسات أو الغاز.

وللأمانة هناك جهد كبير ملحوظ في العديد المواقع الإلكترونية فيما يخص ابتكار عناوين جذابة، أو ما يعرف بعناوين «الاستربتيز»، التي تكشف وتشوق دون أن تحرق أي تفصيله في الخبر، ولكن البعض يقع في خطيئة التدليس وخداع القارئ بعناوين مضللة، وهذا يضر الجميع.

*****

ثم كيف يكون منطقي أن تنظر بعض المؤسسات الإعلامية للزملاء محرري المواقع الإليكترونية باعتبارهم صحفيين درجة ثانية، رغم أن العمل في ديجيتال ميديا يتطلب مهارات أكثر من تلك الموجودة في الصحافة المطبوعة، سواء من ناحية اللغة- العربية والإنجليزية والإنترنت- أو من ناحية إجادة تصوير «فيديو وفوتوغرافيا» مع السرعة في الفعل ورد الفعل.

فهل يعقل محرر بكل هذه المهارات، ويكاد يكون One man Crew، يعامل في مرتبة أقل ماديا ومعنويا من أقرانه؟!

وتفتح الموقع من دول، ويا حظك لو قمت بذلك في الصباح، ستجد أمامك كم صور شخصية رسمية خنشورية تسد النفس وتقفل اليوم قبل بدايته.

بصراحة شديدة، ثقافة الصورة بكل أنواعها، ومحرر الصورة وفن رص الصور على المواقع الإليكترونية، مفاهيم غائبة عن أكثر المواقع الإليكترونية في مصر، أقول أكثرها، لأن البعض يعي أهمية الصور، ولكنهم لا يمثلون إلا نسبة قليلة جدا جدا.

النقطة التالية تغيظ بشكل كبير، وهي فكرة أن البعض يتعامل مع دقة ما ينشر على المواقع الإليكتروني باعتباره أمرا ثانويا يخضع للمذهب «الاستيكي»، بحجة أنه قابل للشد والمد والتغيير والحذف أحيانا، فيطبق قاعدة أنشر طالما «هتعرف تحذف» دون كلمة اعتذار أو توضيح للقارئ.

«بإمكانك دائما تصحيح الأخطاء، ولكن من الممكن أيضا أن يقوم أحدهم بالتقاط صورة لما نشرته قبل تصحيحه، لذا عليك تحرى الدقة دائما، فكل كلمة تنشر على الموقع، وكل قرار يتخذ يظهر على الإنترنت، وإلى الإبد. ديفيد بروير، مدير مشروع الإعلام لمساعدة وسائل الإعلام.

*****

ما ذكرته، مجرد نماذج بسيطة، وهناك الكثير الذي يمكن إضافته، بداية من اختيار تصميمات قديمة أو تصميمات لا تناسب المحتوى أو الجمهور المستهدف بصورة لم تخضع لأبسط قواعد UX، مع تبنى أنظمة نشر CMS عتيقة مجهدة لم تحدث من أكثر من خمس سنين، ناهيك عن دورة العمل الرتيبة والمعقدة، وسياسية نشر الإعلانات التي تكره القارئ في الإعلان والمعلن وفي الموقع.

وصولا لظاهرة شراء الترافيك الحرام، التي لا أرى أي مبرر لها، خاصة أن أفضل المواقع المصرية لا تستطيع أن تبيع إعلانات على أكثر من 50% من المحتوى لديها، فلماذا تدفع لجلب حركة أكبر على الموقع، وهي لم تستطع أن تبيع ما لديها؟

أليس أفضل أن يتم ضخ هذه الأموال في تسويق المحتوى بصورة محترفة، أو في الاستثمار في محتوى جديد مع إضافات تقنية مبتكرة تقلل من bounce rate، وبالتالي ستعود بشكل مباشرة على زيادة «ترافيك» الحلال.

في النهاية، لا أحد يدعى تمام العلم وكمال المعرفة في عالم ديجتال ميديا، لا في مصر ولا في خارجها، خاصة ونحن نتحدث عن عرض عالمي جديد ما زال في بدايته، وكل يوم يكتشف أرض جديدة وتحديات جديدة، وطبيعي أن تكون هناك أخطاء هنا وهناك، ولكن ما ليس طبيعيا أبدا أن تتكرر الأخطاء وتتزايد هنا، ويبدأ البعض في اختراع مدرسة جديدة من الابتكار والاختراع في العك.