رحاب الشناط تكتب: يوم في ماسبيرو !

لا أظن أن مواقع الصحافة الإلكترونية هى المكان المناسب لسرد تجارب شخصية، ولكني قرأت مقال زميلي أحمد فتح الله عن ماسبيرو ( ماسبيرو … المضمون أهم أم الشكل ) ، وقرأت أسئلته، فاعتقدت أن سرد تجربة شخصية هنا قد تفيد، وربما نجد فيها إجابات على بعض تساؤلاته .

في البداية كان حالي ككثير غيري، أرى ماسبيرو هذا الصرح العظيم مبنى ذَا جلالة خاصة، سحر يمنع عيني أن تفارقه طالما أمر بجواره، وطالما تمنيت أن أدخله فأتفقد حجراته وبلاتوهاته، استديوهاته التي بثت أحلى البرامج التي شكلت طفولتي وشبابي ، حتى حالفني الحظ، وحظيت بفرصة دخوله من خلال لقاء تلفزيوني لبرنامج عن الشباب أحكي فيه عن تجربتي المتواضعة وبدايتي التي لم اتخط أول حدودها بعد !!

كلمتني المعدة المجتهدة وبمنتهى المهنية واهتمام بالتفاصيل بشكل لم أتوقعه، لم كل هذا الاهتمام بالتفاصيل ؟ والبحث والتدقيق في محتوى مقالاتي وتجاربي الأولية في مجال التقديم ! إنها مجرد فقرة وليست لقاء شخصية عامة أو حوار مع الهام شاهين ! ( ده احنا طالعين القناة الثانية ، في وقت هو الأضعف في المشاهدة !! ) ، وناقشتني كثيراً ، ثم طلبت مني الحضور في الساعة ١١ صباحاً، لأن البرنامج يبدأ الساعة ١٢ ..

فرصتي حانت لأرى ماسبيرو !!  فتوجهت باكراً وكنت أمام المبنى الساعة ١٠ صباحاً، لأعطي نفسي متسعاً من الوقت كي أتأمل تفاصيله، ورفضت أن يرافقني أحد من معارفي كي لا يشتت ذهني وأنا اتأمل تلك التفاصيل، وكأني ذاهبة لمعبد حتشبسوت ..

اقتربت من المبنى وفي أذني : التلفزيون التلفزيون، بقى في بلادنا حاجة عظيمة كله ثقافة وعلوم وفنون ..

دخلت وابتسامة تملأ كل حواسي، ولكني رأيت جدية في وجوه العاملين والموظفين أثناء مرورهم من البوابات الأمنية  فحاولت التحكم في عضلات وجهي قليلاً لأبدو طبيعية وسطهم، ثم بدأت أتجول في الدور الأول ولكني لم أَجد ما كنت أنتظر أن أراه لا استديو ولا شيء فترجلت قليلاً في المكان ثم بحثت عن مكاني في التصوير ..

صعدت مع أحد العاملين لأذهب إلى استديو البرنامج، ووجدت أمامي غرفة الكنترول، وقفت أنظر اليها بشغف، وجدت فيها فتاة بسيطة ولطيفة، تطفلت عليها بابتسامة بلهاء تجبرها أن تقول لي : اتفضلي أقعدي 🙂

كانت فرصتي للرصد عن قرب، هذه الأجهزة وهذه الغرفة التي يدل اسمها على أهميتها، وجدت أجهزة كثيرة، وشاشات، ولكني لا أعلم مدى صلاحيتها، ولا فعاليتها فلست خبيرة في ذلك رغم كوني مهندسة، ولكني وجدت بعض الإجابات في أنين بعض الأزرار ، وموديلات الكمبيوتر المستخدمة التي هى أقرب لكمبيوتر صخر !!

تحدثنا أنا والفتاة قليلاً ، ثم مع المعدة المحترمة التي رغم كونها لا تعرفني شخصياً، وكوني شخص في بداياته ربما تكون هى من تمنحني الفرصة وليس العكس، فصممت على حسن الإستضافة : ماء وعصير وحديث لطيف حتى معاد فقرتي …

فجأة … حالة طوارئ، فاضل دقيقتين !!

يا أم محمد : ممسحتيش الأستديو لسه ؟!!

استغربت لوهلة ، ثم جاءت امرأة ممتلئة القوام، كبيرة السن، تتعكز وتسرع كأنها تحاول التغلب على آلامها التي تبدو على ملامحها، وتمسك ( بخرقة ) مهترئة، ودخلت الأستديو مسرعة لكي تمسحه !!!  فعرفت أنها أم محمد وتبددت ابتسامتي ورثيت لحالها ، لكني لم أَجد لحظة لأتحدث معها أو حتى أحييها ، لاشيء سوى : تسلم إيدك يا أم محمد !!

ثم صوت صريخ يصدر من الكنترول يبدو أن أحد العاملين أخطأ في شيء ربما من كثرة الضغط ، فتسبب في تعطيل عمل الفتاة التي قابلتها في الصباح. زعيق وخناق فضه العاملين بمنتهى البساطة كونهم اعتادوا هذه الأخطاء تحت هذا النوع من الضغط ..

احنا هوااااا !!!

بدأ البرنامج فالتقطت أنفاسي وانتابني بعض التوتر ، الذي كانت المعدة اللطيفة تخفف منه بلطفها والحديث في مواضيع مختلفة، وفجأة عادت حالة التوتر والهرج والمرج والكل يتحرك بسرعة كأن حريق نشب في المكان !!!

– الميكرفونااااات الميكروفوناااات عطلت !!!

نظرت إلى الشاشة التي يعرض عليها البرنامج مباشر في الفقرة،  فوجدت أغنية لمطربة لطيفة ! ، والعاملين في محاولة لإنعاش الميكروفونات التي تحتضر منذ مدة ( على حد فهمي من محاوراتهم )

-البطاريات تاني ولا ايه ؟؟ ،، دي مسؤلية الصوت مش احنا !!

أنا للمعدة : طب فين المشكلة ؟!  هما فين؟!

أصل ده قطاع تاني !! حاجة كده في الروتين ( اعتقد إنه قطاع الإذاعة ) !! ده قسم تاني مش تبعنا، الروتين كده !!

جاءت الموظفة المختصة بسرعة وعادت الأجهزة تعمل بقدرة قادر .. لدرجة فكرت وقلت ( المايك ده بيستهبل كان عايز يريح ولا ايه )!؟ وعاد البرنامج للبث بعد فواصل أغاني غير مبررة !

حانت فقرتي فدخلت الأستديو ، لا أنكر أنه رغم ذوقه المتواضع وإمكانياته البسيطة إلا أن له رهبة، ربما رهبة اكتسبها من رهبة تاريخ المكان وقيمته رغم تواضع مظهره العام  .. وجدت مذيعة شابة رقيقة الملامح ولا أودّ التعليق عن مهنيتها أو أداءها كوني لست كفئاً لذلك !

انتهت فقرتي وكانت موفقة ، وخرجت إلى شابة محجبة في قمة التهذيب والتواضع تطلب مني الإنتظار، علمت أنها مخرجة البرنامج، حادثتي بلطف وأثنت على اللقاء وطلبت مني أن أكون جزء من منظومة برنامجهم ، فكان هذا من أفضل ما تمنيت كبداية في برنامج يحمل نفس الإسم ..

جلسنا نتحدث، فلم تختلف عن المعدة في الرقة وحسن الضيافة والاهتمام بشكل أسرني ، فلم أعد أرى كثيراً من هذه النماذج الطيبة الرقيقة البسيطة ، تحدثنا عن طموحها، وطموح العاملين ورغبتهم في وجوه جديدة ودم جديد ، قالتلي عايزين نبقى أحسن من القنوات بس محتاجين إمكانيات ، وجاءت مخرجة أخرى كانت شاهدت الحلقة وطلبت مني أيضاً الإنضمام إليها في برنامجها الذي قد يكون منافساً للأول، فنظرت إلى الأولى وقالت لي : إحنا كلنا واحد وإنتِ إختاري اللي فيه مصلحتك إحنا كيان واحد وزملاء !!

جلسنا نتحدث عن إمكانيات الجهاز ككل ، وعلمت منهم أن هذه الإمكانيات التي نراها متواضعة هى في كثير من الأحيان من مالهم الخاص، وأنهم بيلموا من بعض لبناء ديكور جديد أحياناً رغبة منهم في التميز والتجديد !

ذهبت مع المخرجة الأخرى لأشاهد برنامجها وكأنها تستأذنني !!!! وأنا في ذهول ذهبت وأنا أقول لنفسي ( هوا أنا أطول ؟!)

شاهدت برنامج كامل بتقنية الجرافيكس، خلقت به المخرجة استوديو رائع رغم تصويره على كروما ( خلفية خضراء كما رأيت ) .. ابداع حقيقي ومجهود جبار بأقل الإمكانيات .. المخرجة هى صاحبة الفكرة والمعدة في ذات الوقت !!

أبديت اعجابي بفكرته العصرية ، وسألتها : فعلاً ده في القناة الثانية ؟!! ده زي أي برنامج في الفضائيات ! ( وكأن الطبيعي بعد الذي رأيته عن قرب من إمكانيات أن يكون كل ما يقدم دون المستوى )!!

وقابلتها تحية أيضاً من زميلتها المخرجة وأثنت على عملها ، لترن في أذني ( يا روايح الزمن الجميل هفهفي … )

وجددت كلاهما بالعرض علي بالعمل معهم ، وأنا في حالة فرحة وذهول عرضين في وقت واحد، على رأي عادل امام ( مكونتش فاكر انو هيفرجها قوي كده )!

وقدمتني كلتاهما إلى رؤساء تحرير برامجهم بحماس شديد ، قابله ترحاب من المسؤلين وقتها !

ولكنهما همستا في أذني بس خللي بالك مش هيكون هناك تعيين رسمي !! لماذا ؟

كلمة السر : الروووووتين … فوافقت

ثم استكملت احداهما : كمان مفيش فلوس عشان مفيش أي ميزانية دلوقتي .. احنا كلنا بنشتغل الحاجات الزيادة دي كلها من غير فلوس ..

لم احتاج للسؤال : الرووووتيين !!

وافقت بدون تردد ، وأبدت كل منهما فرحة بانضمام شباب جديد للمنظومة ، وتحمسنا جميعاً لتقديم شكل جديد ، واتفقنا أن نتحدث لاحقاً لتفاصيل أكثر بعد متابعتهم مع المسؤلين، خاصة وإني سأعمل متطوعة كبداية ! ولكن بالحديث مع المسؤلين الأعلى مستوى عرفنا أن دخول أي فرد جديد هو مستحيل ! ليس للإكتفاء وليس للكفاءة بل هو : الروتيييييين !!

تبادلنا الأرقام ووعدتهما وغادرت وأنا ممتنة لتقديرهم، وحماسهم  لشباب جديد ، وأشعر باحترام وتقدير لهؤلاء الأشخاص، لطموحهم، وإصرارهم وتطلعهم للأفضل، لتفتحهم، لإشعاع أمل رأيته في أعينهم لم يخب رغم أجهزة يستخدمونها تبدو بهذا القدم ، رغم روتين يكبل عزيمة أي شخص عادي، رغم قلة المادة وعدم تعاطيهم أجوراً إضافية على أي عمل إضافي ، ولا أعلم ربما تعطيل أجورهم أحياناً … ولكنهم أشخاص قادرين على تقديم صورة وصوت جيد .. لا أقول كفء ولكن بمقارنته بالإمكانيات لا يسعك سوى الاحترام والتقدير !!

– بالنسبة لي لم يقدر لي حتى الآن زيارة أخرى إلى ماسبيرو  .. وكلمة السر : الرووووتيين !!