مينا فريد يكتب : إذاعة الأغاني.. و طعنات الحنين

في أحيان كثيرة يتوقف بنا العمر لثانية أثناء دوراننا في دوامة الحياة..

بدون مقدمة نجد طعنة في قلوبنا لشئ قد مر و إنتهى و أصبح مدفونا تحت تراب السنين..

لابد من أغنية ما تسمعها في السيارة التي تقف بجوارك في إشارة مرور.. تسرقك من أفكارك و من حديثك مع من معك ..و تجعلك تسافر عبر الزمن .. لمصيف مع العائلة.. لذكرى قديمة مع حب قديم… لبلد أخرى كنت بها.. لأصدقاء كانوا في سيارتك يوما ما ..لضغط ليلة إمتحان..

فتجد نفسك لست هنا.. بل هناك .. في نفس المكان الذي سمعت فيه هذه الأغنية و مع نفس الأشخاص…
ستخرج منك ضحكة ربما.. أو ستجد دموع تحاول الهروب من عينيك دون أن تدري.. كل الإحتمالات واردة مع شعور الحنين..
الشئ الوحيد المؤكد.. أنك ستشعر بطعنة في قلبك مباشرة…

حتى العطور..

قلبي يهتز و بشدة عندما أشم رائحة عطر أبي المختلط برائحة التبغ كلما شممت نفس الرائحة من أي رجل مار..

لثوان أتوقف و أنظر له.. أرى أبي فيه و أركز كل حواسي عليه , دون أن أحسب أي حساب لإحتمالية إحساسه بي و شكه فيا.. أقول في داخلي ربنا يحميك لبيتك و أهلك..

أتمالك نفسي ولا أتمالك دموعي… و أمر.. و أمرر مع خطواتي أحزاني..

مؤخرا عرفت أن العلماء وجدوا أن للدماغ البشري منطقة محددة تسجل الروائح وتخزنها ، مشيرين إلى أن هذه الظاهرة تسمى”بروستيان” نسبة للكاتب الفرنسي”مارسيل بروست”، الذي نشر إحدى رواياته عن تذكر الماضي، ويعتقد العلماء أن هذا الأمر يحدث بسبب وجود جزء منفصل في دماغ الإنسان يخزن الروائح ويعالجها.. بعد تجارب كئيرة وجدوا أن الذكريات التي تنشطها الروائح قد تكون أقوى وأكثر عاطفية وتفصيلاً من الذكريات المصاحبة للذكريات الأخرى.

أما السمع فهو الحاسة الأولى لك.. منذ كنت جنينا في بطن أمك.. الحاسة التي لا تتوقف أبدا حتى أثناء نومك.. هي إحساسك الذي لا يتركك.. أبدا..

حتى الطعام..

يرتبط مذاقة في فمي بالأماكن التي أكلتها به لأول مرة..
هناك مطعم يأخذني لبيت جدي .. ربما ليس هو الأفضل و لكنه هو حياتي.. هو طفولتي…

كل هذا وجدته و بشدة في “إذاعة الأغاني”
كتاب عمر طاهر الذي أصبحت أحبه أكثر من أي كتاب قرأته..

ربما مواقفه لا تمثلني و لا تمثل إحساسي… قائمة أغنياته التي تؤرخ لذكرياته لا تتوافق مع قائمة أغنياتي..
و لكنه يمثلني في ربط الأغنيات بالأحداث و المواقف و الأماكن و الأشخاص..
ببساطة مطلقة سافرت معه في كل مكان حكى عنه بإستخدام أغنياته..

لن أتحدث عن أسلوب سرده هو يحكي و كأنه صديق قديم يجلس معي في مقهانا المفضل.. هو رائع دائما في هذا…

كنت معه في لبنان و في بيت جده في الصعيد و معه في الجامعة وفي أفراحه التي حضرها و كنت بجواره في التاكسي و هو يسمع أغنيته الأولى التي كتبها…معه و هو يحكي عن سيارته الأولى.. و كنت بجواره و هو يدفع أم صديقه بالكرسي المتحرك و كنت أشعر بأحاسيسه كلها بلا إسثناء .. كنت أبكي و أضحك و أحصل على ذكرياته كأنها ملكي .. و لم أتوقف إلا و أنا أدوّن ذكرياتي المشابهة و أحكيها له و كأنه صديق قديم.

هذا الكتاب صدر ليعيش.. ليس بسبب صاحبه و لا بسبب أسلوبه.. سيعيش لأنه عبارة عن صفحات من الإحساس و الذكريات..
سيعيش لأنك بمجرد قراءته ستجد نفسك تكتب مثله ذكرياتك مع الأغاني..
سيعيش لأنه ملئ بالطعنات… طعنات الذكريات و الحنين التي ستوجه إلى قلبك.. مباشرة.

لمتابعة الكاتب عبر فيس بوك من هنـــا

اقرأ أيضًا :

مينا فريد يكتب: قانون الخدمة المدنية.. قبل أن نفقد الوطنية

مينا فريد يكتب :حظ أوفر المرة القادمة

مينا فريد يكتب : صحة المصريين .. قصة برنامج جديد لباسم يوسف

مينا فريد يكتب: لماذا يتعاطف المصريون مع إضراب الأطباء؟

مينا فريد يكتب: دفاعاً عن المواطن البرنس

مينا فريد يكتب : يؤيدون حجب متى المسكين و يقولون .. نتضامن مع إسلام بحيري 

.

تابعونا علي الفيس بوك من هنا

تابعونا علي تويتر من هنا