محمد عبد الرحمن يكتب: الإنهيار الثقافي العظيم ‫

نقلاً عن مجلة “7 أيام”

ليست المرة الأولى ولن تكون الأخيرة التي يتم فيها تداول مقطع فيديو من برنامج تلفزيوني أو موقع إلكتروني استهدف صاحبه الكشف عن المستوى الثقافي للمصريين خصوصا الجيل الجديد منهم، هذه المادة مغرية لكل من يريد تأكيد أننا شعب فقد ثقافته وهجر المعلومات العامة وربما الأساسية التي يجب أن يعرفها أي مواطن عن بلده وعن العالم بالبديهة، فلا يمكن لمواطن مثلا يعيش على الكرة الأرضية ولا يفكر في الإقامة خارجها أن تكون معلوماته عن القارات السبعة أنهم خمسة كما قال فؤاد المهندس في الأغنية الشهيرة “قلبي يا غاوي خمس قارات” وبات واقعا مؤكدا بالفيديو أن هناك من لا يعرف من هم أبناء سيدنا آدم أبو البشر ويختار أن تكون الإجابة “حواء” بدلا من “قابيل” و”هابيل” (!!)

حدث ما سبق في الحلقة الثانية من برنامج “مفيش مشكلة خالص” للفنان الكبير محمد صبحي، والتي كانت تدور حول تراجع مستوى التعليم، ونزل بالميكروفون للجمهور كما اعتاد أن يفعل في معظم عروضه المسرحية، ولفت الإنتباه أن الجيل الأكبر سنا هو الأفضل في الإجابة على أسئلة صبحي البسيطة جدا، أما جيل المراهقين والشباب فمنهم من فشل في تذكر كلمات من النشيد الوطني الذي من المفترض أنه يردده يوميا في طابور المدرسة (!!) ، وهناك من اعتبر السؤال التالي منطقيا وأجاب عليه ” أمريكا تقع في أنهي قارة، كندا أم أستراليا”؟

حسنا هذه الفيديوهات دائما ما تثير السخرية والحسرة في آن، لكن نحن هنا لسنا بصدد العبارات المحفوظة من معظم منتجي الأفلام التجارية الذين يؤكدون أن السينما دورها عرض الواقع لا تقديم الحلول، هذه القضية الممجوجة لا يصح أن تتكرر مع التلفزيون معلم الشعب الأول حالياو الذي يزاحمه بقوة على هذا اللقب الإنترنت وتحديدا مواقع التواصل الإجتماعي، بمعنى أنه لا يمكن الإكتفاء بالقول أن برامج التلفزيون دورها أن تكشف لنا حجم جهل الملايين بمعلومات أساسية وبسيطة وهو ما يعني جهلهم بما هو أخطر وأعمق من معلومات وحقائق حول بلدهم والعالم الذين يعيشون فين، لكن ما هو الدور الذي يجب أن تلعبه “الميديا” في هذا الإتجاه ولازال غائبا حتى الآن .

السخرية وحدها لا تكفي، اللطم على الخدود من الإجابات المستفزة لن يفيد المجيب شيئا ولن يضيف له معلومة واحدة، معظمنا بالمناسبة أبناء جيل السبعينيات وما قبله حصلوا عى معلوماتهم العامة من الراديو والتلفزيون، من برامج كان هدف من يكتب نصها أن يضيف معلومة أو يوثق حقيقة، انهار الوضع تماما في السنوات العشرين الآخرين، وباتت البرامج تسخر من أصحاب المعلومات وبات مسموحا للضيف أن يقول ما يشاء ولن يراجعه أحد، الكارثة الأكبر فيما فعلته سمية الخشاب مثلا بقولها أن فاتن حمامة لاتزال على قيد الحياة تكمن في أن المذيعة لم تفكر في مراجعتها وتصحيح المعلومة، طبعا الخشاب نموذج صارخ وحديث ولا يعبر عن الأزمة ككل، لكن هناك نموذج آخر ممتد منذ خمس سنوات، فلولا ثورة يناير ما استقبلت القنوات المصرية من يخبرنا بحقيقة الأزمة حول حلايب وشلاتين، ولا أنفاق سيناء، ولا الفرق بين الإخوان والسلفيين، وغير ذلك من أمور كانت محرمة على عقول الناس لعقود وكل منهم يصدق المعلومات المتاحة أمامه فقط هذا إذا أتيحت أصلا.

نعود للسؤال الأساسي مرة أخرى، ما هو دور الميديا إذن، والإجابة أن تجعل برنامج مثل “من سيربح المليون” هو النموذج القابل للتكرار بمختلف الأشكال والمستويات وعلى كل المحطات الإذاعية وشاشات التلفزيون، اقترحت على قنوات عدة هذا الإقتراح، لماذا لا تخصص ساعة عصر كل يوم لطرح الأسئلة على الجمهور واستقبال المكالمات وتوزيع جوائز، لماذا برامج العصر مخصصة فقط للطبخ وثرثرة النساء والأطباء الذين يدفعون مقابل الظهور على الشاشة، يضاف إلى ما سبق استخدام شريط الأخبار في كل قناة من أجل بث معلومات في الأوقات التي لا يوجد فيها زخم إخباري، رعاية كل الأحداث الثقافية والمعلوماتية المهمة، نقل مسابقات المدارس في المعلومات عبر التلفزيون لتحفيز النشء، الأفكار كثيرة وكلها تنطلق من قاعدة أن الإنسان بالفطرة يحب أن يتعلم لكن بدون حافز لن يحفظ حرفا ولن يهتم كثيرا بسخريتك من معلوماته فالأمي يعرف أنه لا يقرأ ولا يكتب، لكن الجاهل لا يعرف أنه لا يعرف .

لمتابعة الكاتب علي تويتر من هنا

لمتابعه الكاتب علي فيسبوك من هنا

اقرأ ايضًا: 

محمد عبد الرحمن يكتب : المريض العنيد

محمد عبد الرحمن يكتب : زمن الإساءة الجميل

محمد عبد الرحمن يكتب : قائمة أفلام “البورنو” المفضلة لإنتصار

محمد عبد الرحمن يكتب : زمن الـ “سكرين شوت”

محمد عبد الرحمن يكتب: الـ Dislike وصل.. إبدأ بنفسك ‫

محمد عبد الرحمن يكتب : أستاذي البراء أشرف

محمد عبد الرحمن يكتب: التنكيت “البايخ” على الزمالك

محمد عبد الرحمن يكتب: العيب من المنبع

 .

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا