خالد يوسف يكتب: الإعلام الذي أثار حفيظة الرئيس

تابعت كغيري كلمة الرئيس السيسي خلال الندوة التثقيفية للقوات المسلحة. تابعتها وحاولت أن أتفاعل معها، من خلال المشكلات التي ذكرها وآليات تناولها ورؤيته وحكومته لإيجاد الحلول المناسبة. لم أقف أمام ما تناوله كثيراً، المتابع الجيد لمجريات الأمور يعرف جيداً حجم التحديات التي تمر بالبلاد، والحلول المقترحة للتحديات قد نتفق أو نختلف عليها، وذلك على حسب منظور كل منّا، ووفقاً لرؤيته.

ولكن توقفت كثيراً حينما بدأ يتناول جزئية الإعلام، وكيفية تناوله لبعض القضايا، والغضب الذي تحدث به عن بعض الإنتقادات التي طالته، تابعت النبرة الحادة في صوته، فظننت أنه سيُكمل حديثه عن ما آل إليه الإعلام، من إنتهاك للخصوصيات والوصول إلى حد (الشرشحة) وبث روح العداء والتخلف والتجهيل وعمليات (مسح) العقول. تخيلت أن يوجه كلاماً صريحاً لمن يُنصب نفسه محامياً عنه ومبرراً له من الإعلاميين من خلال منابرهم الإعلامية. تخيلت أن يثير حفيظته إعلام السباب والتجاوزات، إعلام التشهير والتخوين والتفاهات، إعلام الجن والعفاريت والتسريبات، ولكن، وأسفاه، فقد أثار حفيظته الإعلام الذي يوجه له الإنتقادات أو لرئيس الحكومة والوزراء والمحافظين!! فقد إعتبر هذا أن الإعلام وصل لمرحلة تجاوزت كل الحدود، وأن هذا من شأنه عدم قدرة هؤلاء المسؤولون من أداء عملهم.

وهنا وجدت نفسي متسائلاً، هل هذا فقط ما أثار حفيظتك؟! هل هذا فقط ما دعاك أن تقول نصاً: “إنتوا بتقولوا إن كل حاجة فيها كارثة… الله، وهو القطاع ده مافيهوش كارثة ولا إيه؟” قلت أنك تمر أحياناً على بعض القنوات وتشاهد وتسمع، ألم تجد خلال مرورك ما يثير حفيظتك بخلاف ما ذكرت؟!

هل أتاك حديث موسى؟ هل أتاك ما يفعله من خلال منبره الإعلامي يومياً من تصنيف الناس تارة وإلقاء التهم وإصدار الحكم بالخيانة والعمالة تارة أخرى؟ هل أتاك حديثه عن ثورة ٢٥ يناير ووصفها بالنكسة وأنها سبب خراب البلد؟ هل أتاك حديثه،مثلاً، عن الضربة الجوية الروسية في سوريا وعرضه تسجيلاً للعبة (فيديو جيم) على أنها إحدى الضربات وأخذ يصول ويجول ويحلل ويمجد ويثني على دقة الضربات؟؟

هل أتاك حديث عبد الرحيم؟ هل أتاك ما يقترفه من إنتهاك للخصوصيات التي كفلها الدستور والقانون من بثه لتسجيلات هاتفية شخصية لأفراد؟ ألم يثير ذلك حفيظتك فتساءلت عن مصدر هذه التسجيلات وكيف تمت؟ هل أتاك حديثه ووعيده وتهديده بنشر تسجيلات أخرى وفضح أطرافها، وكأنه فوق القانون وهناك من يسانده ويدعمه؟

هل أتاك حديث عكاشة؟ هل أتاك ما يُتحفنا به من خلال قناته؟ هل أتاك سبابه وإهانته للشعب المصري الذي أنت مسؤول عنه؟ ألم يثير ذلك حفيظتك؟

هل أتاك حديث (المطبلاتية) وحملة المباخر الذين يلهثون بكلامهم وراء نيل الرضاء من النظام حتى ولو على حساب خداع البسطاء؟ هل كل ذلك، وغيره كثير، لم يثير حفيظتك سيدي الرئيس؟ فكل ما ذكرت ما هو إلا عينة بسيطة، فإن لم يأتيك حديثهم فيجب عمل إعادة بحث لجهاز (الرسيفر) الذي مررت من خلاله على القنوات، علّه يأتيك.

بالطبع المشهد الإعلامي كغيره يحتاج إلى إعادة هيكلة، ليست إدارية، ولكن فكرية، وهذا لن يتحقق إلا بوضع دستور لهذه المهنة، والمتمثل في ميثاق الشرف الإعلامي، فهو كان ضمن خارطة المستقبل التي صدرت يوم ٣ يوليو ٢٠١٣، والتي قرأ نصها السيسي نفسه على الشعب عقب ثورة ٣٠ يونيو، فهي إستحقاق هام لا يقل أهمية عن الإستحقاقات التي تضمنتها خارطة المستقبل، والدولة إن كانت تريد حقاً أن تُتمم هذا الإستحقاق كانت ستُبرزه وتدعو لتحقيقه كما حدث مع الإستحقاقات الأخرى، الدستور والإنتخابات الرئاسية والبرلمانية، ولكن أن يُترك الأمر هكذا دون رابط أو حاكم، فقطعاً ستكون النتيجة ما آلت إليه الأمور حالياً.

إن كان الرئيس السيسي يريد حقاً أن يكون هناك إنضباطاً في التناول الإعلامي فعليه أن يتخذ هذه الخطوة بدلاً من (معايرة) الإعلام بأن هذا القطاع فيه كارثة مثله مثل أي قطاع، وكأنه يقول (إللي بيته من إزاز مايحدفش الناس بالطوب)، وبدلاً من أن يُلمح بشكوته للشعب من الإعلام في المرة القادمة وفتح الباب للتكهنات من مغزى هذه الجملة (المريبة) التي ليس لها إلا معنى واحد، وأخشى أن يكون يقصده.

وأذكره أخيراً بالمقولة الشهيرة لجوزيف جوبلز، وزير الإعلام النازي لدى هتلر في أربيعنات القرن الماضي، حين قال: “أعطني إعلاماً بلا ضمير.. أعطِك شعباً بلا وعي”

للتواصل مع الكاتب عبر تويتر من هنــا

اقـرأ أيـضـًا:

خالد يوسف : أن تُصبح شهادتك عاراً يلاحقُك!!

خالد يوسف: ريم والوطن والجهات!!

خالد يوسف: هل حققت “فلانة الفلاني” مقصدها؟؟

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا