البراء أشرف يكتب: نسيان

تكريماً وتقديراً للكاتب والمدون الراحل البراء أشرف، يعيد إعلام.أورج كل جمعة نشر أحد مقالاته حتى نهاية عام 2015

منذ شهرين، حصلت على هدية من صديقة.

بروازين للصور، كلاهما زجاجي، الإطار مرآة عاكسة، وأحدهما توضع فيه ثلاث صور متوسطة الحجم، والثاني توضع فيه صورة واحدة كبيرة مستطيلة.

تعرف صديقتي مدى حبي للأشياء الصغيرة، انبهاري الدائم بالتفاصيل. يجب هنا أن أؤكد أني عرفت عن نفسي بمرور الوقت أن التفاصيل تبهرني فقط، وأن لا قدرة لدي على التركيز بها.. أقصى ما يمكنني فعله هو تدوين الملاحظات حول تفاصيل بعينها..

كانت لدي رغبة في استخدام البروازين، بمراجعتي لأدراج المكتب، لاحظت أني لا أملك صوراً شخصية في مكتبي، فكرت أنه من المناسب أن أجلب من البيت صورتين أو ثلاثة لوضعها داخل البروازين.. في البيت، لاحظت أني لا أملك أية صور، لا صورة لي، لا صورة لزوجتي، ولا صورة لطفلتي الصغيرة.. فكرت.. هل يعني هذا أي شيء؟.

بمرور الوقت تولدت لدي رغبة حقيقية في تغيير شكل الغرفة التي أعمل بها، نقلت أباجورة من مكتب مجاور، وضعتها بجوار الباب، فتحت الشباك الذي ظل مغلقاً طوال شهور سابقة، وخصصت ركناً وضعت به جهازاً إليكترونياً تخرج من الموسيقى باستمرار، وبصوت خفيض.

نظفت مكتبي جيداً، وأخرجت المبخرة القديمة من الدرج، وأشعلت عودين، وجلست أمام البروازين أحدق، من أين يمكن أن أحصل على صور مناسبة؟.

كعادة الأسئلة الصعبة، أهرب بأفكاري إلى بعيد. هل اختفاء الصور يعني أن الذكريات في خطر؟، الشخص المتهكم الذي يجلس داخلي سخر من السؤال.. ما علاقة الذكريات بالصور؟، الصور، وإن لم تكن مطبوعة، فإنها محفوظة على قرص جهازك المحمول.. مئات الصور لك وللأصدقاء، لزوجتك وأصدقاء المقهى.. ما العلاقة؟ لعلك أصبحت رومانتيكياً بغيضاً.

لعلي فعلاً أصبحت كذلك، فقد اخترت في النهاية أن أترك البرواز فارغاً، كدلالة على عجزي عن إيجاد صور مناسبة تعني شيء ما لوضعها داخله.

اخترت مكانين متباعدين في الغرفة لوضع البروازين، ثم سألت نفسي عن اسم الصديقة التي أهدتني هذه الهدية المتعبة.. لاحظت أني صرت رومانتيكياً بغيضاً، ليس فقط لأني عاجز عن توفير الصور، ولا أني اخترت وضع البرواز دون صورة، بل لأني نسيت اسم صديقتي.

نقلاً عن مدونة “وأنا مالي”

اقـرأ أيـضًا:

البراء أشرف يكتب: عن الحكايات والسجائر

البراء أشرف يكتب: موسيقى حزينة جداً

البراء أشرف يكتب: عن الكتابة والعطف على الكلاب

البراء أشرف يكتب: ليل – خارجي

البراء أشرف يكتب: عن السلاحف والأرانب

البراء أشرف يكتب: ستة أسباب للحنين إلى “روبي”

البراء أشرف يكتب: عن الاضحاك كمسألة سخيفة

محمد عبد الرحمن يكتب : أستاذي البراء أشرف

وفاة البراء أشرف

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا