يسري فودة يكتب: حرية تعبير .. «غير مسبوقة»

نقلا عن الشروق

– 1 –

بعد 30 يونيو، تحولت مصر في بحر أسابيع قليلة إلى قاموس مخيف للأمراض النفسية يحتوي، لأول وهلة، على ثلاثة أنواع من المواطنين: هذا الذي أصابته صدمة من جراء مذبحة رابعة العدوية و النهضة و ما سبقها من أحداث أخرى جسام دخلت به إلى حالة من إنكار الواقع مفعمة بإحساس بالظلم يقتات على طبقات فوق طبقات من دخان أسود يطبق على تلابيب القلوب. و ذلك الذي أصابته هيستيريا من جراء عملية شحن مسعورة غير مسبوقة في تاريخ هذا البلد، وقودها بارانويا ضياع مصر التي نعرفها، دخلت به إلى حالة من الفصام مفعمة برغبة في الانتقام و استعداد غير مسبوق في الضمير الجمعي لغض النظر عن الدم المسكوب و عن كل ما – و من – يقف في الطريق إليه.

و بينهما .. مكتئبٌ ديسَ بالأرجل و السنابك و الجنازير و الحوافر حتى انفعص. “الطابور الخامس .. الخلايا النائمة .. العملاء .. الخونة .. النشتاء السياسيون .. بتوع حكوك الإنسان” .. هؤلاء الذين استماتوا في محاولة التمسك و لو بذرة من عقل وسط حقل شاسع من الجنون يتسع مجاله و تضيق نظرته يومًا بعد يوم. هؤلاء الذين جمعوا في لحظة غريبة الشأن بين حالتين متناقضتين: إحساس بالذنب و المسؤولية ناتج عن إحساس بالعجز أمام الدم المراق و الحملان المختطفة، و إحساس بالظلم و القرف أمام ضباع مسعورة رُخّص لها أن تنهش حلم دولة القانون و أن تنهشهم في الطريق.

هُتك نسيج مجتمع كامل كان يومًا ما مضرب المثل في جودة النسيج، بينما داس أحدهم على زر أطلق عملية ممنهجة لهتك عرض العقل المصري. تحريضٌ إجباري يستدعي تحريضًا تطوعيًّا يستدعي تحريضًا مضادًّا، و قمعٌ يقتات على إرهاب يقتات على قمع، و دائرة جهنمية لا بداية لها و لا آخر، تتحول النوايا فيها إلى أفعال غير قابلة للندم، و يتحول الناس فيها إلى مجرد أسماء لا محل لها من الإعراب، بينما يقع “الإعلام” في قلب مسرح الجريمة.

– 2 –

كيف يمكن أن أعود إلى واقع من هذا النوع؟ و الأهم: ما الذي يمكن أن أقدمه في أجواء صارت معها مقولة جورج بوش الصغير، “إما معنا أو مع الإرهابيين”، أضحوكة؟

– 3 –

مفيش حاجة اسمها “حروب الجيل الرابع”.

– 4 –

يحلو للبعض أن يظن أننا بالعودة إلى الكتابة عدنا كي نكون مرة أخرى جزءًا من المشهد الإعلامي في مصر. اسمحوا لي أن أخيب ظنهم من البداية: لم نعد، و لا يسعدنا و لا يشرفنا أن نكون جزءًا من مستنقع حُفر عمدًا و عُمّق تطوعًا بهدف الانتقام من شعب رفع رأسه مترًا واحدًا فاهتزت أركان النظام الفاسد. و إنما نكتب الآن بإرادتنا من داخل مصر تخليصًا لضمائرنا و توثيقًا لمواقفنا و قطعًا للطريق على المتاجرين بالأوهام، حتى إذا أتى الأمر بالتوقف، بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، نكون قد قدمنا أنفسنا، بين من قدموا أنفسهم، عن طيب خاطر، مثالًا آخر على مدى هشاشة هذا النظام و خيبته.

– 5 –

مفيش حاجة اسمها “حروب الجيل الرابع”.

– 6 –

“لا أريد أن أبالغ، لكنّ لدينا حرية تعبير غير مسبوقة في مصر. لا يستطيع أحد في مصر أن يمنع أحدًا في الإعلام أو الصحافة أو التليفزيون من التعبير عن آرائه”، هكذا نقلت “الأهرام ويكلي” عن الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، من حديث له مع أحد نجوم شبكة “سي إن إن” قبل أسبوعين. رغم أنوف “الحاقدين”، نشكر السيد رئيس مصر على هذا التصريح الذي يعيد إلى الذاكرة ما قاله جورج واشنطن، أول رئيس للولايات المتحدة الأمريكية، ذات يوم: “إذا انتُزعت منا حرية التعبير سننقاد جميعًا بُلَهاء ساكتين كالخراف نحو المذبح” – جميعًا.

– 7 –

مفيش حاجة اسمها “حروب الجيل الرابع”.

– 8 –

في ظل واقع من هذا النوع يصير التمسك ببرج أخير في العقل جهادًا ما بعده جهاد، و يصير التعلق بفتيل من أمل ألمًا في كل صباح بينما يتراجع التفاؤل. لكنّ شكًّا لا يوجد في صدري في أن فريقًا في مصر سيحمل في النهاية إلى المقدمة ما يكفي من “عقل” و من “منطق”. حتى ذلك، سيجد هذا الفريق في ما قاله يومًا ما فاكلاف هافيل فتيلًا من أمل: “الأمل، بكل تأكيد، ليس مرادفًا للتفاؤل. الأمل لا يعني بالضرورة الإيمان بأن شيئًا ما سيتغير إلى الأفضل، بل يعني أعمق الإيمان بأن شيئًا ما يوافق العقل و المنطق، بغض النظر عما يمكن أن يؤول إليه”.

– 9 –

مفيش حاجة اسمها “حروب الجيل الرابع”.

اقـرأ أيـضـًا:

تامر أمين عن واقعة السبكي والإبراشي : أنا مبسوط   

إبراهيم عيسى: حل مشكلة الأهلي في هذا القرار‎   

22 تصريح لهيثم عرابي في ساعة رياضة  

ضيف الإبراشي الثائر ضد السبكي.. يؤيد مبارك ويتظاهر في التحرير(!)

جماهيرية غادة عبد الرازق لن تنقذ Arab casting

ماذا يفعل الرئيس السابق للبيت الفني للمسرح في Arab Casting؟

 .

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا