"منعطف خطر".. عندما يرجع الزمن إلى الخلف

“منعطف خطر”.. عندما يرجع الزمن إلى الخلف

نورا غنيم

يرى بعضُ المفكرين أن الغضبَ صفة ذكورية بحتة، وأنه العاطفة الوحيدة المقبولة مجتمعيًا للرجال؛ فمسموحٌ للرجل أن يكون غاضبًا وغير مسموح له أن يكون حزينًا أو مهزوما. وهكذا جاء مسلسل “منعطف خطر” طارحًا فكرة غضب الأبطال الرجال من ماضيهم وصراعهم المستمر مع الزمن ومحاربة قدرته على إطفاء نار الغضب والكراهية أو محاولة نسيانه كأنه لم يكن.

لقد تشابكت مصائر الأبطال بسبب جريمة قتل فتاة شابة (سلمى) “سلمى أبو ضيف” وما تبعَ هذه الجريمة من بحثٍ عن القاتل. ورغم أن فكرة بناء عمل درامي على جريمة قتل هي فكرة تقليدية، فإنها في سيناريو “منعطف خطر” جاءت جاذبة بسبب قدرة السيناريست “محمد المصري” على خلق عالم حقيقي وشخصيات حيّة من لحم ودم وخطوط درامية متماسكة ومشوّقة داخل مسلسله.

 

نرشح لك: 17 تصريحا لـ تامر نبيل.. أبرزها عن “منعطف خطر” واختياره لأدواره

 

والفكرة الرئيسية لهذا العمل هي الصراع المتنوع بين الشخصيات وماضيها، والذي تنعكس آثاره على حاضرها ومستقبلها، فبينَ العجز عن تجاوز الماضي، والرغبة في استعادته، والنجاح في الهروب منه تتحرك كافة الشخصيات الدرامية داخلةً بأحداثها وطبيعتها وتفاصيلها على “منعطف خطر”.

فها هو الضابط هشام “باسل خياط” بطبعه الحاد وملامحه المتجهمة وملابسه القاتمة دائمًا، يتعايش لسنوات مع غضبه المكتوم من أبيه الذي تخلى عنه في طفولته، ثم يقرر الاعتصام نفسيًّا في الماضي الذي فشل في تجاوزه وأثر على حاضره وحوَّلَهُ إلى شخص كئيب لا يستطيع التعامل مع أقرب الناس إليه (أمه وابنته)، لكنه بعد صراعٍ مرير مع ماضيه ينجح في الهروب من هذا الماضي وتجاوزه لأنه في لحظةٍ حاسمة أدركَ أنه لو لم ينجح في الانقلاب على هذا الماضي سيصبح نسخةً مكررةً من أبيه؛ لذا فإنه يحوّلَ غضبه من أبيهِ والماضي إلى فلسفة هادئة لاعبًا دور الحكيم الذي يهدي خبراته لمن حوله مختصرًا ذلك في جملةٍ تعكس رؤيته وهي: “الأب لازم يكون سند مش أتب”.

وكذلك نجح أيضا خالد “محمد علاء” في تخطي ماضيه المؤلم مع الإدمان وحاضره المزيَّف مع أبيه منقذَا روحه المنطلقة المحبة للموسيقى والحياة. حيث عانى خالد وأخوه عز “خالد كمال” من معركة أبيهما سليمان يحيى “ياسر على ماهر” مع الزمن، هذا الأب الذي تعلّق بالماضي وفشل في استعادته، فهو رجل أعمال عاشق للنفوذ والسلطة يسعى لاستعادة أمجاده الماضية بالسيطرة على أحد النوادي الرياضية محاولا دفع عجلة الزمن إلى الخلف، ولو كلفه ذلك تدمير حاضر ومستقبل أبنَيْه خالد وعز، هذا الأخير الذي فشل فيما نجح فيه أخوه خالد، وتوقف به الزمن نهائيا بعد حادث سيارة تركَهُ مشوّها جسديًا ونفسيًا ولم يعد مرئيًّا حتى لأبيه نفسه.

وقد جاء العجز عن تجاوز الماضي متمثلا في حكاية الأخوين جمال وحسن “باسم سمرة وحمزة العيلي”، اللذان نجحا لسنوات في الاختفاء من ماضيهما المؤلم ومحاولة التأقلم مع حاضر جديد.. لكن الماضي عاد ليطاردهما فجأةً متمثلاً في سلامة “أحمد ماهر”، بعد أن ظن ثلاثتهم أن الماضي قد مات وأن نار الغضب قد انطفأت. لكن الماضي الذي استغرقوا فيه انتصر على ثلاثتهم وانتهت حياة اثنين منهما داخل السجن، وضاع الثالث “جمال” في محاولات هروبه المستمر خوفًا من جدران السجن والفرار من ماضيه الذي لا يكف عن مطاردته.

ولعل شخصية “عز” وعلاقته بـ “سلمى” هي من أفضل الخطوط الدرامية في هذا المسلسل؛ حيث العلاقة بينهما أشبه بعلاقة (الجميلة والوحش)، الفتاه الرقيقة التي يقع في غرامها وحشٌ مشوه الملامح يوفر لها الكثير من الأمان والرعاية بينما هي نقطة وحيدة مضيئة في حياته التعيسة. ولذا جاءت الحلقة الـ “13” من أجمل حلقات المسلسل خاصةً مع الأداء المتميز الذي قدمه “خالد كمال” في أداء دور “عز” في هذا الجزء من الأحداث عاكسًا الصراع بين ظاهره وباطنه ومشاعره المضطربة والمتناقضة الذي نجح في التعبير عنه تمثيليًا.

إن “منعطف خطر” مسلسل شديد الثراء في كل عناصره، وعندما يسأل جمهور المشاهدين عن اسم المخرج منذ الحلقة الأولى؛ فإننا بالفعل أمام مخرج متميز هو السوري الشاب “السدير مسعود” الذي نجح في خلق عالم صغير منغلق على نفسه تتشابك فيه الشخصيات على أرضية من الانفعال والتوتر والتنقل بين حالات الغضب واليأس والحزن بكادرات وزوايا معبرة أهمها عدسة (Close up) التي أبرزت براعة الأداء التمثيلي في المسلسل.

أحيانًا ما تعطي قوة الأداء التمثيلي للدور تأثيرًا أكبر من مساحته الفعلية في الأحداث، ودليل ذلك هو حضور شخصية “جيهان” التي لعبتها ببراعة “ريهام عبد الغفور”؛ فالشخصية غير محركة للأحداث، وهي في معظم الحلقات مجرد جهاز استقبال لانفعالات زوجها جمال “باسم سمرة”، لكن براعة تمثيل الشخصية جعلتها أكبر وأكثر محورية من حجمها الحقيقي في السيناريو.

وبالانتقال إلى العناصر الفنية الأخرى سنجد تفاوتًا فيما بينها، فالديكور مثلا جاء من أكثر العناصر لفتاً للانتباه في المسلسل؛ بسبب ملاءمة بعض الديكورات للأحداث والشخصيات وغرابة بعضها الآخر مثل: غرف التحقيق ومنزل أميرة وبدروم النادي، حيث غلب عليهم الطابع الأجنبي، في مقابل أماكن التصوير الخارجي التي جاءت صادقة وملائمة للحالة المصرية الخالصة مثل: فلاش باك حياة (جمال وحسن) في قريتهما بالصعيد، وجريمة قتل حسن لأخته.

ولعل عنصر الإضاءة هو العنصر الأكثر غرابة في المسلسل، حيث استخدم مدير التصوير “حسام حبيب” تكنيك إضاءة غريب وغير منطقي، فمعظم مصادر الإضاءة بالمشاهد مجهولة المصدر، وربما أسهمَ هذا التكنيك في خلق أجواء مطلوبة من القلق والتوتر لكن هذا النوع من المغامرات البصرية يجب التعامل معه بحذر؛ فتكراره بصورة زائدة لا يعطي النتائج الجيدة نفسها.

إن منعطف خطر بحلقاته الـ (15) هو تجربة درامية تستحق المشاهدة والإشادة، وعملٌ يثبت أن صناع الدراما العربية يستغرقون كثيرًا في تجارب الـ 30 حلقة دون سببٍ درامي أو فني، حيث لا طائل سوى إضاعة المال والجهد ووقت المشاهدين، بينما تأتي المنصات بحلقاتها القليلة الممتعة معيدةً للمشاهِد العربي متعة المشاهدة الحقيقية بعيدًا عن صخب الإعلانات وملل التطويل وتكرار الأحداث ورتابتها.

نرشح لك: شاركت بالصُدفة البحتة.. أبرز تصريحات ريم عبد القادر عن “مُنعطف خطر”