لا تحتضن الشهرة: الفصل التاسع عشر من كتاب لوغاريتمات الشهرة

عمرو منير دهب

يحلم الناس في الغالب بتحقيق الشهرة دفعة واحدة وليس على مراحل، ولكن عندما يعزّ على الطامحين إلى الشهرة اقتناصها بضربة واحدة يغدو منطقياً تقسيم حلم الشهرة إلى مراحل تتوزع على امتداد زمني يتفاوت بحسب طبيعة كل تجربة.

عندما تبدأ الشهرة في التحقق فإنها على الأرجح تتعاظم بسرعة كما في المثال الشهير لكرة الثلج، وعليه فإن الشق الأصعب مع رحلة الشهرة هو تكوين كرة الثلج ثم دحرجتها دون فقدان السيطرة عليها وهي تتدحرج في الاتجاه الصحيح. لكن مشوار كرة الثلج لا يسلم من العراقيل حتى وهي تتعاظم بصورة شبه تلقائية متدحرجة في اتجاه من المفترض أن يفضي إلى ترسيخ الشهرة، وعليه فإن اليقظة يجب أن لا تفارق عينا مَن يتطلع وجدانُه إلى الشهرة مهما تبدُ الأخيرة مغرية بتخيُّل كونها باتت في قبضة المتطلِّع إليها على أيٍّ من مراحل طريقها الذي لن يخلو من المفاجآت.

نرشح لك: عمرو منير دهب يكتب: أنواع الشهرة.. الفصل السابع عشر من كتاب لوغاريتمات الشهرة

كل قصة شهرة مختلفة عن الأخرى حتى إذا تشابهت بعض القصص في الملامح خلال مرحلة أو أخرى منها رجوعاً إلى طبيعة الظروف المحيطة بكل قصة، ومن قبلُ رجوعاً إلى طبيعة بطل كل قصة. وبالتدقيق في طبائع الطامحين إلى الشهرة، فإن منهم مَن يستجيب للنصيحة التقليدية التي توصي بصعود السلم خطوة خطوة، ومنهم من يفني الثمينَ من وقته وهو ينشد صاروخاً يقذف به إلى سماوات الشهرة في لمح البصر.

التحدّي ليس في تبيُّن أيّ الوسيلتين أحرى بالاتّباع، فمع الشهرة تحديداً المسألة ليست مسألة خيارات قدر ما هي واقع يجب التعامل معه بصبر وحكمة في كل الأحوال. هذا، ويتخذ تحدّي الشهرة بعد تحقّقها من الأشكال ما لا يقلّ مراوغة عن تلك التي يواجهها الطامحون إلى الشهرة على بدايات الطريق.

الشهرة المتحققة على مهل تبدو جديرة بأن لا يُخشى على صاحبها، على غير ما يشي به الحال مع ذلك الذي قذف به صاروخ إلى أعلى سماوات الشهرة في لمح البصر، فالأول أكثر دراية وحنكة في التعامل مع العقبات المختلفة التي لم يحظ الأخير بالفرص الكافية للتدرّب على مهارة اجتيازها. ولكن الحصول على مكسب في لمح البصر لا يعني بالضرورة أن من قنص ذلك المكسب لن يعرف كيفية الحفاظ عليه، وفي المقابل فإن المعاناة قبل الحصول على أي مكسب لا تعني أنه بات في مأمن بحيث لا يمكن أن يُنتزَع من يد من آل إليه على مهل.

ولأن الشهرة درجات وأنواع، فإن من الصعب القول بأن صاروخاً يقذف بطامح إلى الشهرة منذ بواكير حياته العملية إلى ما يبدو أنه أعلى سماواتها يكون قد وضعه على نهاية مشوار المجد. فالتحدي لن يتجسّد حينها في كيفية المحافظة على بريق الشهرة فحسب، وإنما في تحقيق المزيد من الإنجازات التي من شأنها أن ترسّخ الشهرة نوعاً ودرجة، فالشهرة ليست غنيمة تُقتنص ويتمّ التشبّث بها خوفاً من ضياعها قدر ما هي أقرب إلى أن تكون كياناً حيّاً ينمو ويتجدّد باستمرار للمحافظة على ألَقه وجاذبيته.

الخوف الشديد على الشهرة من الضياع إلى حدّ التشبّث الهوسي بها يفضي إلى خنقها وربما القضاء عليها، على عكس الحال مع إتاحة الفرصة لها كي تتنفس فتنتعش وتتجدد بوصفها كائناً حياً يُراد له أن ينمو ويزدهر وليست مجرد تحفة ثمينة تُخبّأ بعيداً عن أعين المتطفلين. من الحكمة إذن أن يمنح المشهورُ الفرصةَ للشهرةَ كي تتحرّك فلا تبقى حيث هي، وليكن الأمر كما لو أن المشهور يصطحب شهرته معه حيثما ذهب، بل يتصرّف كأنه يدعها تتقدّمه فيغدو بذلك في موقع أفضل لمراقبتها وتصويب أخطائه تجاهها، سواء أكانت تلك الأخطاء متعلقة ببعض التقصير أو بكثير من المغالاة أو بغير ذلك مما قلّ أو عظم شأنه من أوجه الخلل. وربما تبدو الفرَص الأثمن ماثلة في بعض الإضافات أو التحسينات بما يكفل مزيداً من الازدهار للشهرة وليست فقط في التصحيح تلافياً لأخطاء محتملة من أي قبيل.

قد يكمل الطامح إلى الشهرة مشواره دون أن يحقق مبتغاه، وقد يحقق من الشهرة ما يتجاوز أحلامه، وفي كل الأحوال ينتهي المشوار. ومثلما هو الحال مع كل بداية فإن لكل نهاية تحدياتها وطرق معالجتها الخاصة التي تختلف باختلاف كل حالة حتى ضمن الإطار العام نفسه لفشل أو نجاح مشوار/حلم الشهرة.

الشهرة غير المتحققة تترك في نفس من كان يطمح إليها غصّة عميقة لا ريب، وهي غصة يشعر بها المتعثر في طموحه إلى الشهرة مع كل عقبة بارزة خلال مشواره. وإذا كان من الصعب تحديد النقطة التي يقرّ فيها المتعثر بأنها نهاية المشوار، فإنه ليس بالضرورة أن تبلغ الغصة ذروتها عند تلك النهاية على كل حال، فقد يبلغ الطامح إلى الشهرة عند مرحلة ما من مشواره معها من القناعة والرضا ما يجعله يتراجع عن النظر إلى الشهرة بوصفها ذروة الإنجاز أو المقياس الجدير بالاتباع للتقدير على أي صعيد، وبذلك تغدو تلك أكثر نهايات المشوار بعثاً للسعادة والرضا بالنسبة للمتعثرين على طريق الشهرة.

وعلى غير ما يغري بتخيّله الحال، فإن نهاية المشوار ليست أهون بالضرورة مع مَن حقق من طموحه إلى الشهرة قدراً عظيماً، بل الأرجح أن العكس هو الغالب، فبقدر ما يحقق المشهور من السموّ تحليقاً في سماوات الشهرة طيلة مشواره يكون الارتداد إلى أنماط الحياة الاعتيادية – أو أركان النسيان كما يراها من كان مشهوراً – أشبه بسقوط مدوٍّ من قمة شاهقة يفضي إلى ارتطام حاد بأرض شديدة القسوة.

من أجل ذلك، من الحكمة ترك مسافة تجاه الشهرة عوضاً عن احتضانها والتشبّث بها، سواء أكانت الشهرة حلماً يطارده مغمور بشغف كبير أو إنجازاً متحققاً في أيٍّ من مراحله بالنسبة لمشهور عظيم.

للتواصل مع الكاتب من خلال الإيميل التالي: ([email protected])

نرشح لك: ديموقراطية الشهرة: الفصل الثامن عشر من كتاب لوغاريتمات الشهرة