فيصل شمس يكتب: "واحد تاني".. بحث عن أفكار جديدة أم استسهال!

واحد تاني 
ماذا نتوقع من نجم كبير مثل أحمد حلمي استطاع أن يبني نجوميته طوال عدة سنين عن طريق المثابرة والاجتهاد والإبداع في أفكار جديدة تمس الناس؟

بالتأكيد لن نتنازل عن فكرة جديدة في كل فيلم تجعلنا نتحمس ونستمتع ونضحك ونخرج بحكمة أو إحساس، ومنتج يلم شمل أي أسرة حين تود أن تقضي أمسيتها مع فيلم جميل ينعش الضحكات بعد يوم متعب.

ويبدو أن البحث عن الفكرة الجديدة يتسبب في دخول طاقم عمل (أحمد حلمي) أو (أحمد حلمي) نفسه في حيرة مستمرة ورحلة بحث مرهقة، لأن الأفكار بهذه المواصفات نادرة وتحتاج قراءة مئات السيناريوهات من الكُتَّاب المعروفين والكُتَّاب الجدد ومراجعتها بدقة وعدة مرات وربما عمل تقييم لها من خلال الخبراء ومجموعات اختبار من الجمهور للوصول إلى فيلم العام الذي يترك بصمة لا تزول.

نرشح لك: فيصل شمس يكتب: من وحي موسم رمضان 2022.. متطلبات نجاح دراما 2023

لكن لحظة، طاقم عمل (أحمد حلمي) أو (أحمد حلمي) نفسه لا يقوم بهذا المجهود على الإطلاق منذ عدة سنوات، وربما لم يقم به أبدا، والفيلم الحالي (واحد تاني) يدل على ذلك بقوة، فهناك استسهال مريب في اختيار الفكرة التي تبدو بسيطة نظريا لكنها في الواقع معقدة ومركبة لدرجة تفقدنا التركيز مع الأحداث والمعاني المفترضة من الفيلم، فالبطل شخص أراد تغيير حياته أو العودة لحياة الشغف بعد أن أصبح مجرد موظف عادي في وزارة الداخلية يقوم بمهام روتينية يومية فيما حقق زملاؤه من الجامعة أحلامهم ونجحوا فيها بامتياز، والحل لعودة الشغف هو دواء جديد يتم أخذه عن طريق (لبوسة) لتتغير شخصيته ويصبح إنسان جديد، فعلا يأخذ بطلنا هذا الدواء.. رغم سخافة موضوع (اللبوسة) لكن حتى الآن الفكرة واعدة ولطيفة، وفجأة ندخل في التعقيدات فبسبب ظروف غير محددة لا تعمل (اللبوسة) بالكفاءة التامة فيتم تبادل الشخصيات بين البطل الشغوف الجديد (اكس) وشخصيته العادية (مصطفى) بحيث يعيش يوم وهو (اكس) وحين ينام يصحي ليعود للشخصية الطبيعية (مصطفى) وهكذا لعدة شهور حتى تفقد (اللبوسة) كفاءتها وكل شخصية لا تعرف ماذا فعلت الشخصية الثانية في يومها ولذلك يتبادلان الرسائل على الموبايل ومن هنا تحدث المفارقات المضحكة.

بصرف النظر عن التعقيدات والتي كان من الممكن التغاضي عنها، لكن الضحك كان نادرا في أحداث الفيلم، ولولا أن الجمهور يشتاق للضحك ويصر على استحلال أمواله التي دفعها لقلت إن الفيلم غير مضحك على الإطلاق، وحتى المعاني الإنسانية التي قد نعتبرها رسالة لقدرة الإنسان على تغيير ذاته اختفت وسط المحاولات المستمرة لاختراع الضحكات وشرح هذا التعقيد الدرامي.

لم تجذبني القصة المركبة، وأتطلع لمعرفة قصة صديق البطل (أحمد مالك) الذي أقنعه باللبوسة، فقد أخذها وتحولت شخصيته إلى الشغف بدون تعقيدات ونجح في عمله لدرجة تأسيس شركة كبيرة لاستثمار الأفكار يعمل بها مجموعة من الشباب الأذكياء الموهوبين، إن رحلته للوصول لهذا النجاح تستحق المتابعة أكثر من (اكس و مصطفى) في تقلباتهم المزعجة.

قصة الحب بين البطل وزميلته في الجامعة (روبي) التي عاد لرؤيتها وهو في هذه الأزمة كانت هامشية للغاية فتعقيدات القصة والتهافت لشرحها دراميا لم يتركا المجال لنشاهد تطور رومانسي مطلوب، وهذه نقطة ضعف أخرى فالحب والعلاقة بين الرجل والمرأة والتحديات التي تصاحبها أفضل بكثير من التركيز المبالغ فيه على الشخصية واللبوسة.

طبعا في مدار قصة معقدة والتركيز على النجم لم يجد باقي الممثلين من داعي للاجتهاد في أداء أدوارهم لأنها هامشية بالأساس، (روبي) مثلا تظهر في مشاهد سريعة لتخبرنا بشيء عن البطل، كذلك الطبيب الذي أدى دوره (سيد رجب) كان من الممكن أن يكون له سياق درامي واسع لكنه ظهر في عدة مشاهد فقط وأيضا للشرح، الوحيد الذى نجا من هذا التسطيح هو (أحمد مالك) الذي أدى دوره بقدر معقول من الإجادة لأن لديه المساحة الكافية.

هناك قصة أخرى داخل الفيلم كان من المفترض أن تكون مصدر الخطر والتوتر الذي يضيف سخونة للأحداث وهي أحد اللصوص الذي يطلب من البطل كتابة تقرير في أخيه التوأم الموجود في السجن يمنع خروجه حتى ينعم بالذهب المسروق وحده  ،،، لن أقول أن هذه الأطروحة بما فيها يمكن أن نلغيها تماما ولن تتأثر القصة وأنها معقدة على نفس المستوى الصعب، لكنني أقول أنها لم تكن ذات خطورة أو تصيبنا بأي توتر ولم تضف أي سخونة للأحداث، وبالتالي كانت جزءا ضعيفا إضافيا في حبكة القصة، وطبعا أدى (عمرو عبد الجليل) دور اللص بدون أي اجتهاد. 

في النهاية وجدت أن هذا الفيلم كان لينجح أكثر لو قام ببطولته نجم مثل (أحمد مكي) أو (محمد سلام) أو واحد من شباب مسرح مصر، فبطبيعة الحال يجب أن يقوم النجم رقم واحد بعمل فيلم لا يستطيع أحد أن يقوم به غيره، أو لا نشاهد أحدا غيره يمكن أن يؤديه، لذلك ففيلم (واحد تاني) هو استمرار لإصرار أحمد حلمي الغريب على التنازل عن تميزه والتخلي عن المركز الأول، والانضمام للمجموعة في المركز الثاني، وهذا ليس بشيء سيء فالمركز الثاني هو مكان للنخبة أيضا، لكنه قطعا ليس مثل الأول.

واحد تاني