ياسر عبد العزيز يكتب: بخصوص 28 نوفمبر

يعتقد البعض أن اليوم سيشهد تغيراً مفصلياً فارقاً فى حالة الصراع بين الدولة المصرية والقطاعات الغالبة من المواطنين من جهة، وتنظيم «الإخوان» وحلفائه من التيارات المتأسلمة من جهة أخرى.. وهو اعتقاد خاطئ.

ويرى آخرون أن اليوم سيمر من دون أى تغيير على أى نحو، ولن يشهد سوى عدد قليل من التظاهرات الفاشلة التى دأب المتأسلمون على تنظيمها منذ 30 يونيو 2013، اعتراضاً على خلع الشعب المصرى لهم من السلطة بمساندة الجيش الوطنى، وهو أمر يبدو محل شك أيضاً.

من المرجح أن يشهد اليوم عدداً من التظاهرات المحدودة وأعمال العنف اليائسة، لكنه سيحمل جديداً على أى حال، حتى وإن لم يكن هذا الجديد فارقاً أو مؤثراً على المديين المتوسط والطويل.

ما يريده «الإخوان» وأنصارهم من المتأسلمين والمتطرفين اليوم شيئان رئيسيان؛ أولهما تجديد المظلومية المصطنعة عبر إنتاج دماء جديدة، وثانيهما إعطاء الانطباع لأتباعهم من البسطاء المغرر بهم أنهم يدافعون عن الإسلام، وأن الدولة القائمة راهناً تحاربه، وهو انطباع مأفون يعكس إرادةً سقيمةً وتفكيراً مختلاً.

قد ينجح «الإخوان» وحلفاؤهم والمتعاطفون معهم فى إنتاج دماء جديدة عبر أعمال عنف مجنونة ويائسة اليوم، ولكن تلك الدماء لن تكون قادرة على إنتاج مظلومية مصطنعة جديدة، لأن الساسة والرأى العام ووسائل الإعلام خارج مصر أدركوا سخافة تلك اللعبة، وتراجعت قدرتهم على التفاعل معها، مهما كانوا مغرضين ومنحازين.

وعلى الصعيد الداخلى، فإن المواطنين المصريين أصبحوا أكثر إدراكاً أن «الإخوان» هم من يبادر دوماً بإنتاج الدماء، والمتاجرة بها، بعدما فقدوا أى قدرة على تصليب خطاب متماسك أو حشد أى تعاطف خارج دائرتهم الضيقة المأزومة.

تبقى مسألة «الهوية» التى يدعو إلى «استعادتها» أصحاب الدعوة إلى «ثورة الشباب المسلم» المزعومة، والتى من أجل تأجيجها سيتم رفع المصاحف، فى محاولة للتلاعب بعواطف بسطاء المصريين المتدينين بطبعهم.

ثمة الكثير من الوقائع التاريخية التى تشير إلى أن معظم أصحاب المآرب السياسية فى مصر سعوا إلى استخدام عاطفة المصريين الدينية، ليجدوا طريقة للتأثير فيهم، والنفاذ إلى وجدانهم، ومن ثم الوصول إلى عقولهم، وتوجيه سلوكهم.

لكن ما جرى فى أعقاب «ثورة 25 يناير» أدى إلى زيادة وعى المصريين، حتى فى الطبقات البسيطة والدنيا، بضرورة عدم الاستسلام لتلك الألاعيب، خاصة بعدما جربوا حكم «الإخوان»، وأدركوا، من خلال التجربة العملية، أن الدين لم يكن سوى مطية حاول هذا التنظيم استخدامها من أجل الوصول إلى السلطة، وعرفوا أن طريقة «المتأسلمين» فى ممارسة الحكم لا يمكن أن تتسق أبداً مع قيم الإسلام السمحة ولا تعاليمه السامية.

تستعيد دعوة «الإخوان» وحلفائهم لرفع المصاحف فى التظاهرات ذكرى الفتنة الكبرى، التى رُفع خلالها كتاب الله المجيد، بغرض شق الصف وإحداث الفتنة وتحقيق الغرض السياسى، وليس إجلالاً له وتكريماً واقتداءً بما ورد فيه من حض على اللحمة وهداية وتأكيد على الصدق ورفض للزيف والكذب والرياء.

«الإخوان» لا يتعلمون، وفى هذه المرة هم يقامرون بكل شىء تقريباً، وهدفهم الأساسى هو إحداث فتنة حقيقية، يريدون لها أن تشتعل حينما سيختلقون الوقائع ويزيفون الحقائق ويدّعون أن سلطات الأمن «أهانت المصاحف نكاية فى الإسلام».

يريد «الإخوان» أن يحدثوا فتنة كبيرة، عبر استخدامهم المزرى لعاطفة التدين لدى المصريين، وهو أمر يعكس يأسهم، ويكشف أنهم باتوا عاجزين عن بلورة أى خطاب سياسى يمكن أن يسمعه الناس ويؤثر فيهم، ولم يعد أمامهم غير الغرائز والألعاب القديمة.

سيخيب «الإخوان» وحلفاؤهم تلك المرة أيضاً، لكنهم قد ينجحون فى سَوْق مخدوعين جدد إلى الموت، وفى دغدغة عواطف بعض البسطاء من الذين لم يدركوا ألاعيبهم وخداعهم.

نقلًا عن “جريدة الوطن”