هل كانت ثريا فخري جاسوسة؟ .. هذا ما وجدناه بحثا عن الإجابة

طاهر عبد الرحمن

انتشر منذ عدة شهور على مواقع التواصل الاجتماعي أحاديث كثيرة تخص فنانة راحلة شبه مجهولة هي «ثريا فخري»، حيث قيل أنها ماتت محترقة بسبب انفجار وقع بقصرها الذي كانت تخزن فيه قنابل وأسلحة تخص إسرائيل، لدرجة أنه من شدة الانفجار لم يعثر على جثتها، وبعد رحيلها اكتشفت وزارة الأوقاف المصرية – بينما تقوم بهدم القصر لبناء مسجد – على صندوق ضخم يحتوي على أموال طائلة لها حيث كانت تستعد للهجرة إلى إسرائيل، التي كانت تعمل “جاسوسة” لها لسنوات طويلة، وتتخذ من الفن ستارا للعمل الحقيقي.
– معلومات متضاربة

كل تلك الأحاديث استغلت عدم توافر أية معلومات مؤكدة تخص “ثريا فخرى” وحياتها وظروف وفاتها الغامضة، وكذلك عدم وجود أي وريث لها.

نرشح لك: منع فانتشار فنجومية.. تطور أزمة مطربي المهرجانات خلال 400 يوم

ولقد وصل التضارب إلى أنه لا توجد أية معلومة عن تاريخ ميلادها، حيث قال البعض أنها من مواليد عام 1914، وأخرى قالت عام 1905، بل وحتى تاريخ وفاتها، فكل من تحدثوا عنها أوردوا تاريخين “محتملين” للوفاة: 17 سبتمبر 1965 و 23 فبراير 1966، وكلاهما خطأ كما سيتبين بعد قليل.

– الحقيقة الوحيدة المؤكدة

في كل ما قيل بخصوص الفنانة المجهولة فإن الجميع اتفق على أن “ثروتها” آلت بعد وفاتها إلى وزارة الأوقاف المصرية، نظرا لعدم وجود وريث شرعي لها، واتفق الجميع أنها كانت “ثروة هائلة”.

وقامت الوزارة بإنفاقها على بناء مساجد كثيرة، باعتبار ذلك مفارقة أو سخرية القدر، من تلك “اليهودية” التي جمعت الأموال طيلة حياتها من التجسس وماتت قبل أن تهنأ بها!

والحقيقة أن الفنانة المجهولة كانت بالفعل تمتلك مبلغا كبيرا من المال (بحساب قيمة العملة في الستينيات) وبالفعل آلت إلى بيت المال التابع لوزارة الأوقاف، نظرا لعدم ظهور أي وريث شرعي للراحلة، ولكنها بكل الأحوال لم تكن “ثروة هائلة”!

– فنانة لم تهتم بوفاتها الصحافة

ومما يزيد الأمر تعقيدا في البحث عن حياة تلك الفنانة أن الصحافة المصرية لم تهتم على الإطلاق بخبر وفاتها، واهتمت فقط – بعد وفاتها بأيام – بقصة ومصير الأموال التي تركتها دون وريث شرعي لها، وذلك على الرغم من أنها كانت وجهها معروفا لجمهور السينما المصرية والعربية، وقدمت أكثر من 50 عملا، صحيح أنها لم تُنوع كثيرا في أدوارها، وظلت محصورة في أدوار الخادمة خفيفة الظل أو “الدادة” الطيبة، كما في فيلم “الجريمة الضاحكة” و”مطلوب أرملة” و”الستات ميعرفوش يكدبوا” و”رد قلبي” و”الحبيب المجهول” وغيرها.

وهنا نسأل ما هو تاريخ الوفاة بالضبط؟

في الحقيقة أنه لا يوجد تاريخ مؤكد، ولكن في عدد يوم 27 نوفمبر 1965 نشرت جريدة أخبار اليوم تقريرا بعنوان: “بعد وفاة ثريا فخرى.. ثروة تبحث عن وريث”، كتبه صحفي اسمه “أحمد زعبوط”، وفي مقدمته كتب يحكي قصة: “الثروة التي تركتها ثريا فخرى بعد وفاتها الأسبوع الماضي” دون أن يشير إلى تاريخ محدد، وهنا فإنه من المؤكد أنها ماتت في الأسبوع الثالث من شهر نوفمبر 1965.

وبالرجوع إلى أعداد جرائد الأهرام والأخبار وأخبار اليوم في ذلك الأسبوع فإننا لا نجد أي خبر عن الوفاة، وهو ما يؤكد أن الصحافة لم تهتم على الإطلاق به وبها، والسبب بسيط، فهي فنانة “شبه مجهولة” (أقرب للكومبارس)، وأن الاهتمام المفاجئ بها تمثل في ما تركته من أموال.

– الثروة التي تركتها

في ذلك التقرير يقول الصحفي أن ثريا فخرى ماتت “الأسبوع الماضي” وتركت ثروة تقدر ب12 ألف جنيه بالإضافة إلى “عمارتين” في حي شبرا، وهذه بالطبع “ثروة” كبيرة، بمقاييس الستينيات.
وأما كيف تحصلّت عليها؟ فإن التقرير يذكر أنها ورثت “العمارتين” عن زوجها محمد توفيق فهيم، وكان يعمل محاسبا للفنانين، ومات عام 1959 بسبب مرض عضال، وكانت ثريا تخدمه بإخلاص وتفان في مرضه لمدة 7 سنوات.

أما بقية “الثروة” فإنها جمعتها من عملها لسنوات طويلة في السينما والإذاعة، بالإضافة إلى دخلها من إيجار العمارتين.


– كانت تنوي التبرع بها

بحسب ذلك التقرير (وهو مرة أخرى الوحيد الذي تعرض لقصة حياة ثريا فخرى كما ظهر من البحث) أن الفنانة كانت قبيل وفاتها تنوي كتابة وصية لتتبرع بتلك الثروة – كما صرح أصدقاء لها لم يذكرهم التقرير – إلى الجمعيات الخيرية ونقابة الممثلين، بالإضافة إلى تخصيص جزء منها إلى فنانة ناشئة بمسرح العروبة اسمها “نادية عزت”.

وكما نعرف الآن فإن “نادية عزت” هي ممثلة مصرية لعبت في شبابها دور “فهيمة” في فيلم معبودة الجماهير (الراقصة التي استخدمها يوسف شعبان للتفريق بين عبد الحليم حافظ وشادية بالكذب) كما أنها قدمت دور “زينات” زوجة “خلة القِلة” في المسلسل الشهير يوميات ونيس.

وفي التقرير عبرت نادية عزت عن أسفها لعدم تمكنها من الحصول على أية أموال من ثريا فخرى قائلة وهي تبكي: “خسارة ماليش في الطيب نصيب”، دون أن يتم توضيح الصلة التي تربطها بالفنانة الراحلة لدرجة أن تفكر في ترك جزء من أموالها لها.

– “الخياطة” تروي قصتها

كان من الواضح أن التقرير يهتم فقط بقصة ومصير “الثروة”، ولذلك فإن كاتبه عبر سريعا على قصة حياة الفنانة بسرعة ودون تفاصيل كثيرة، فلم يذكر تاريخا محددا لميلادها، بل – وعلى لسان “فايزة داود” – وكانت تُفصل لها ملابسها – ذكر أنها قدمت من لبنان بصحبة والدها، وكانت في سن الخامسة والعشرين، ثم تزوجت من ضابط بوليس مصري، سرعان ما انفصلت عنه بالطلاق، وتزامن ذلك مع وفاة والدها – الذي كان آخر فرد في أسرتها.

بعدها ساءت حالتها الصحية جدا ولم تجد ثمن العلاج فدخلت المستشفى القبطي وظلت به لشهور طويلة، ثم خرجت منه وظلت تعيش على إعانته – إعانة المستشفى – حتى قام جار لها يُدعى سيد عبد الفتاح بإلحاقها – نظرا لجمالها – بالفرقة القومية عام 1938، وعملت بها نظير أجر قدره 7 جنيهات.

– زميلها يُكمل القصة

ينقل التقرير على لسان زميل للفنانة الراحلة، اسمه “نبيل دسوقي” (وهو نفس الاسم الذي وصفته منشورات وفيديوهات مواقع التواصل الاجتماعي أنه “زوجها”) حيث يقول: إن ثريا فخرى أخبرته أنها بدأت حياتها الفنية بتقديم أدوار الكوميديا وعن طريق عملها في الفن تعرّفت على محمد توفيق فهيم، محاسب الفنانين، وتزوجته وظلت معه حتى وفاته بمرض السرطان وترك لها كل أملاكه، ولم يكن لهما أولاد.

إن ذلك الزوج هو الذي تذكره كل المنشورات أنه اكتشف حقيقة ثريا، حيث تزوجته فقط لتتجسس على الفنانين ومعرفة أجورهم وثرواتهم، وأنه – كما يقولون – قام بتطليقها بعد شهور من الزواج لذلك السبب.

– ظلت طول عمرها تتبرع للمستشفى القبطي

من الأمور الملفتة في التقرير أن المبلغ الوحيد الذي ظلت ثريا فخرى تدفعه بانتظام كان لحساب المستشفى القبطي، ردا لجميل علاجه وتكفله بها في زمن فقرها في الثلاثينات.

– هل كانت جاسوسة؟

هذا هو السؤال الأهم والذي صنع كل تلك الضجة حول حياة الفنانة شبه مجهولة، وبالطبع لا توجد إجابة قاطعة، ولكن نسأل: هل لو كانت بالفعل جاسوسة وعملية يهودية فهل كان من المنطقي أن تكتب عنها جريدة كبيرة – مثل أخبار اليوم – هذا التقرير، وهو يقدمها – ولو بشكل غير مباشر – بطريقة تثير مشاعر العطف والرثاء على حالها، وهي “الزوجة المخلصة” و”المعطاءة” التي كانت تنوي التبرع بـ”ثروتها” للجمعيات الخيرية ونقابة الممثلين!؟

.. أعتقد أننا لسنا في حاجة للإجابة.

نرشح لك: 40 صورة.. فنانون لا يعرف الجمهور أسمائهم