خالد منتصر: العيشة والحياة وعمر الشريف

الحياة مختلفة عن العيشة، ونحن نعيش بمنطق أهى عيشة والسلام، ونظل طوال عمرنا على حافة الحياة وهامشها أسرى عقدة الذنب وأسطورة الخطيئة، لذلك نحن على خصام مع الحياة اللى بجد واللى بحق وحقيقى تفهمت جيداً سر هجوم البعض الضارى والشرس على عمر الشريف من كارهى الحياة وأعداء البهجة والعائشين فى قوقعة الزهد وصوبة التسامى عن رغبات الجسد الفانى.

تفهمت أيضاً الهيافات والتفاهات التى انشغل بها البعض بداية من سؤال هو مات على أى دين، وكيف سيدفن فى السيدة نفيسة، وهو مشكوك فى عقيدته، وحتى الجدل حول وفاته فى العشر الأواخر من رمضان، وهل هذا التوقيت يعتبر عفواً إلهياً وقبول توبة، أم هو من قبيل الصدفة!

نمط الحياة التى عاشها عمر الشريف بحكم عوامل كثيرة تعود إلى تكوينه ونشأته والأهم تفاعله مع الثقافة الغربية لا كمتفرج، ولكن كمشارك بداية من طفولته وليس من لحظة سفره لأمريكا فقط- هذا النمط جعله يعيش بصدق نفسه، ولا يتلبس جسدا أو مزاج غيره، فتح نافذة قلبه وعقله على مصراعيها واحتضن الكون، وصار سكنه خريطة العالم بلا حدود، تحرك لسانه بلغات الدنيا، وهبط وأقلع من كل مطارات العالم، وأحب، وعشق أجمل نساء الكون، نحن نصف هذه الحياة بأنها بالطول والعرض، ولكن الأدق أنه عاشها بالعمق حتى الثمالة.

هذه الحياة التى تساوى ألف حياة مما تعدون ومما نحياه هنا فى مصر، نحن نكبر، ونشيخ، ونفاجأ خلسة ونحن ننظر فى المرآة ونعد خصلات شعرنا التى افترسها الشيب أننا لم نحىَ كما نريد نحن، عشنا حياة «مستلفينها ومقتبسينها» من الناس والمجتمع والعرف والتقاليد التى معظمها مزيف، مستلفينها وكأننا حناخدها لفة ونرجعها، زى فستان الفرح اللى بتأجره العروسة الزبونة، وترجعه المحل بعد حفل الزفاف! تنظر حينها إلى المرآة صارخاً أنا فين؟! أنا فلان الفلانى كنت نفسى بجد ولا كنت اللى عايزه أبويا وأمى وحماى وحماتى والمدرس والحاكم والشيخ والقسيس… إلخ؟!

نعيش بكتالوج لم نطبعه، ونحيا بنموذج لم نصممه، الكل يحشر أنفه فى تفاصيل حياتك، ويصمم لك باترونها ولا يطلب منك حتى البروفة، لا يهتمون بمقاس أو شكل الزى النهائى الذى صمموه لك بدون طلب منك أو رغبة، لا يهمهم إن كان ثياب مهرج أو جلباب دجال!! المهم أن يكون على مقاس المجتمع.

عمر الشريف بالرغم من أنه كان ممثلاً بارعاً، وبالرغم من أن المشهد الذى حفره فى وجداننا فى فيلم نهر الحب كان من خلال قناع تنكرى فى حفل راقص، إلا أنه عاش حياته بدون أقنعة، استفزنا عمر الشريف بالألف حياة التى عاشها، البعض تملكه الغيظ غيرة، والبعض بكى على زمن تسرب من بين أصابعه، وهو ينتظر على رصيف محطة الحياة قطاراً تم تكهينه، وأحيل للاستيداع وبيع خردة من زمان! مصدر الاستفزاز هو أننا نعيش دائماً مرتدين الأقنعة فى مسرحية هزلية نستجدى فيها تصفيق جمهور الصالة الذى لو غضب علينا إن لم ننافقه، أو نجاره، ونغازله، وندلك له غدد الرضا والعفو والسماح، سيمتنع عن التصفيق والإشادة، ولن يمنحنا لقب المواطن المثالى!!

تعيش حياتك شبح حياة، ظلال حياة، فتات حياة، الفتاة التى ترسمها فى كراسة الرسم ليست الفتاة التى تتمناها، بل التى يتمناها مدرس الرسم، والتى تقنع مصحح الامتحان بأن يمنحك الدرجة النهائية.

الكلية التى تلتحق بها هى أمنية الأب ودعوة الأم، الفتاة التى تتزوجها أثناء إجازتك السريعة من الخليج هى عروسة لسه خارجة حالاً من ميكرويف الخاطبة وبنكهة فرن المجتمع المنافق الذى يدرب الفتاة على إتقان دور صيادة العرسان بامتياز!

نحن لا نحيا، بل نمثل أننا نحيا، هى حياة سابقة التجهيز، تعيشها بمذاق الآخرين، وكأنك تجلس فى مطعم، وتطلب «المنيو» بناء على الخبير الذواقة المخصص لهذا الغرض فى المطبخ، هذا الخبير هو الذى يحدد لك ماذا تأكله!!

أنت تتناول وجبة حياتك بناء على منيو الآخرين، لذلك ستعيش دون أن تتذوق طعم الحياة أبداً.

نقلاً عن “المصري اليوم”

اقـرأ أيضـًا:

خالد منتصر: لحم الحمير وترامادول الهري الإعلامي

خالد منتصر: “ماسبيرو”.. ولد عملاقاً ومات قزماً

خالد منتصر: يجوع الإعلامي ولا يأكل من أعشاب العاصمة

خالد منتصر: صاحبة السعادة إسعاد

.

تابعونا علي تويتر من هنا

تابعونا علي الفيس بوك من هنا