"المنصة".. كيف تناولت "نتفليكس" حرب المعلومات في أول عمل إماراتي؟

رباب طلعت

12 حلقة لا تقل كل منها عن 45 دقيقة، تدور أغلبها داخل أروقة “المنصة” ذلك المبنى الضخم والمبهر للنظر من الخارج، و المليء بالغموض من الداخل، بلونه الأزرق الوحيد، مع الإضاءة البيضاء الساطعة والموزعة في أركان المكان، بما يتناسب مع طبيعة عمل المكان، الذي يكشف الحقائق والأسرار المختبئة في أعماق الجماعات الإرهابية، والمافيا، وما إلى ذلك، في زمن الحروب المعلوماتية، بطل القصة، وليس كرم -مكسيم خليل- فحسب.

“المنصة” العمل الإماراتي الأول لـ”نتفليكس”، تصدر البحث والمشاهدة العربية على “جوجل” الأسبوع الماضي، وذلك متوقعًا بعد الحملة الدعائية الكبيرة له في الخليج والوطن العربي، بالإضافة لضمه مجموعة لامعة من النجوم العرب وهم: مكسيم خليل، عبدالمحسن النمر، معتصم النهار، سامر إسماعيل بالإضافة إلى سلوم حداد وأحمد الجسمي وسمر سامي وخالد القيش ولين غرة وياسر النيادي وخالد السيد وريهام القصار وسعود الكعبي وياري قاسم وشادي الصفدي، بالإضافة للإعلامية مهيرة عبد العزيز التي تخوض تجربتها الدرامية اللأولى من خلاله، وكاتب العمل الكردي هوزان عكو، مؤلف مسلسل “الهيبة” الشهير، ومن إخراج رودريجو كيشنر، وبإشراف عام وفني للمخرج والمنتج منصور اليبهوني الظاهري، ومن إنتاج فيلم “جيت” بالتعاون مع “الكلمة” للإنتاج.

نرشح لك: 5 أسباب وراء نجاح الإعلام المصري في مواجهة الإخوان

المكان والزمان.. لا حاضر بلا ماضي

المكان والزمان هما أهم عناصر العمل، فـ”كرم” حياته متعلقة ببلدين أساسيين، سوريا مسقط رأسه، وذلك المكان دائمًا  مرتبط بالألم، وأبو ظبي الحياة الجديدة التي يبتعد فيها عنها، ويحاول نسيان كل ذكرياته التعيسة بها ولكن دائمًا القدر يدفعه دفع للعودة لها، وأمريكا المكان الثالث الذي بدأت قصة كرم وناصر منها.

الأماكن في العمل محدودة بشكل كبير، فأغلب المشاهد في أبو ظبي تدور في مقر المنصة، حيث يظهر “كرم” دائمًا هو المسيطر على كافة الأمور، بعكس ما يحدث في بيته بسوريا، وحتى في المرات البسيطة التي التقى فيها بـ”ساره”، سواء في منزله أو منزلها، بالإضافة إلى استوديو “شيخة” مكان التقائها بـ”ناصر”، والمسجد الذي يصلي فيه ناصر، ويلتقي بصديق والده فيه، وشركته وكل ذلك في أبو ظبي، لذا تظهر الأماكن في كامل رونقها، على نقيض منزل “كرم” و”سارة” في سوريا، وبالطبع الأنقاض التي يعيش عليها الإرهابيين في إشارة للدمار الكبير الذي تسبب فيه الإرهاب بها.

“الماضي شباك إذا تطلعت منه ما بعرف إذا كنت بقدر شوف لقدام ولا لأ”، هكذا وصف “كرم” بطل الأحداث الذي يجسد شخصيته الفنان السوري مكسيم خليل، ماضيه المُظلم بسبب والده الذي يخضع لرأي الجماعة المتطرفة التي جعلته يتورط في تفجير إرهابي لم يتم حيث تم القبض عليه، ويُسجن 15 عامًا يخرج بعدها ليجد ابنه الكبير “كرم” يعمل في مجال البرمجيات ولديه “منصة” يتطلع الكل -الجماعة الإرهابية وصديقه الأمريكي والناشر الإماراتي- لامتلاكها والسيطرة على ما يُنشر عليها من أسرار، والابن الأصغر “آدم” -سامر إسماعيل- طبيب، بفضل أمهم الرافضة لأفكاره.

 

ذلك الماضي تدور أحداثه في عام 1988، وتنتقل الأحداث إلى عام 2012، بخروج الأب، ومن ثم مقتل الأم، ثم تنتقل الأحداث بسلاسة بين الأعوام الأربع 1988 و2012 و2015 و2018، ففي كل حلقة ما يربط الحاضر بالماضي.

لعبة الماضي والحاضر انعكست على شخصيات أسرة “كرم” كلها، فبالبحث في الماضي وفي المشاهد الأولى من العمل، نجد شخصية الأب الضعيفة والمنقادة تمامًا من قِبل الشيخ “ناجي” زعيم التنظيم، للدرجة التي كان يُسلم فيها ابنه الأصغر “آدم” له ليعتدي عليه، بينما تصمت الأم وتكتفي بالصراخ في محاولة منها لدفع الضرر عن ابنها “كرم” الذي يحرقه والده بالمعلقة، وتظل علامة الحرق على يده إلى أن يكبر ليزداد كره لوالده يومًا بعد يوم، وتظل عقدة “المعلقة” معه للدرجة التي يصرح بها لـ”سارة” -لين غرة- حبيبته منذ الطفولة بأنه لا يتناول أبدًا أي شيء بالمعلقة، أما “آدم” فيظل مهزوزًا يميل للانصياع لتوجيهات والده بالرغم من إدراكه بأنه يسير في الطريق الخاطئ، ولا يتخذ موقف معادٍ من “ناجي” -خالد السيد- بالرغم من اعتدائه عليه في طفولته، أما ساره تستمر في حبها له، وتضحي من أجله بسبب خداعها له في الماضي.

تأثير الانتقال بين الأزمنة، لم يقتصر على الشخصيات فحسب، بل دعم القضية نفسها، حيث أظهرت الأحداث أن الجماعة المتطرفة المشار إليها في العمل، تخلق لنفسها أغطية وأسماء جديدة، إلا أن أفرادها لا يختلفون على مر العصور، فصاحب المكتبة زعيم العملية الإرهابية الفاشلة في 1988، غير نشاطه عام 2012 لصاحب “سايبر” يستقطب من خلاله النابغين في مجال الكمبيوتر لدعم جماعته الإرهابية التي أصبح لها نفوذًا بالغًا حتى عام 2018، في إشارة للتحول الكبير الذي طرأ على حروب الجماعات الإرهابية، التي أصبحت تتعامل بـ”البيتكوين” لتسهيل تعاملاتها المادية، واتخاذ “الإنفلونسرز” غطاء لرحلات تبادل الأسلحة مع المافيا.

حرب المعلومات VS نقص المعلومات

يمكن تلخيص أحداث العمل تحت عنوان “حرب المعلومات” فكرم قرر فضح تلك الجماعات الخارجة عن القانون والمافيا، عن طريق “المنصة”، التي يشار إليها دائمًا إلى أنها “لا يمكن اختراقها” ومن حاول ذلك فشل إلا “أمل” -ريهام القصار- التي اخترقت “السيستم” من الخارج ولكنها فشلت في الولوج إليه، واختارها “كرم” للانضمام إلى فريقه لمهارتها، تلك المنصة تحديدًا التي يتسابق عليها الجميع من أجل الحصول على المعلومات المرسلة إليها من قبل أشخاص مجهولين تجري “فلترة” للملفات التي تصل إليها، فالحرب هنا هي حرب “المنصة” ضد الفساد عن طريق المعلومات، التي يسربها أيضًا “ناصر” -عبدالمحسن النمر- للإعلامية شيخة -مهيرة عبدالعزيز- لتكشف فضائحهم على الهواء، وكذلك يستخدمها “كرم” سلاحًا محاولًا الإفلات من الجماعة الإرهابية، التي استدركته أيضًا بالمعلومات التي لديها، وطمعًا فيما لديه.

وعلى الرغم من أن العمل كله يدور حول المعلومات، إلا أن الأحداث كان بها الكثير من المعلومات الناقصة التي لم تتضح للمشاهد، منها “أين ذهب زوج سارة؟” و”من أرسل فيديو سارة لآدم؟”، و”أين ذهب إيفان؟”، و”ما التهديد الذي أرعب والدة كرم قبل وفاتها من ناجي؟”، و”كيف استطاعت تربية أبنائها وزوجها في السجن؟”، “كيف لم تكتشف الشرطة من قاتل والدته بالرغم من مراقبتهم لوالده؟”، “إلى أي جهة ينتمي جون الذي يمد كرم بالمعلومات؟”، “ما علاقة يلماز بالجماعة الإرهابية ومن قتله؟”، “من هو صديق والد ناصر الذي أنقذه من أزمته المالية؟ لماذا؟” وغيرها الكثير.

الإرهاب ما بين الحداثة والتقليد

لا يخفى على أحد أن العمل نجح في الخروج عن المعتاد في طرح قضية الإرهاب، حيث لم يكتفِ بمشاهد القتل والحرق والتخريب والفتاوى المتشددة والتكفيرية، وأشار إلى سعي تلك الجماعات وراء المبرمجين والمختصين في علوم الكمبيوتر مثل “كرم”، لاستغلالهم في حروبهم، حتى أنهم تطوروا ووصلوا للتعامل مع “البيتكوين” و”الإنترنت المظلم” وغيرها من المصطلحات العصرية، إلا أنه وقع في التقليد، والأفكار المستنسخة عن شكل شخصية الإرهابي، بأنه إما يطمع في السبايا كعدنان، أو في الأطفال كناجي، أو أنه فظ غليظ القلب مثل “حازم” -سلوم حداد-.

من أكثر ما يثير دائمًا هجوم الكثيرين أيضًا هو تصوير أن الإرهابي “يصلي” مثل حازم وآدم،  بينما الإنسان السوي فلا بل إنه متحرر ومن الممكن أن يقع في المحرمات مثل كرم مع سارة، بل ووصف الزنا بأنه “ذكرى جميلة”، وأيضًا سارة التي تخلت عن حجابها لتصبح بذلك “سوية”، وقد شذ هنا عن القاعدة “ناصر” حيث إنه شريك “كرم” ويداوم على الصلاة.

النهاية.. الإرهاب ينتصر

على النقيض تمامًا لأغلب الأعمال الدرامية، جائت النهاية حزينة للغاية، حيث انتهت بتخلي “كرم” عن “سارة” وتفضيل جثة شقيقه عليها، وصدمته بأن شقيقه حي وطليق وأحد أفراد الجماعة! أي أنه كان يستدرجه للإيقاع به لسبب غير معروف؟! ومن المنتظر الإجابة عليه وعلى أسئلة كثيرة في الجزء الثاني المفترض تصويره قريبًا، ومنها: لم يظهر معتصم النهار على الغلاف بالرغم من ظهوره فيما لا يزيد عن 4 مشاهد طوال العمل؟ هل له دور أكبر في الجزء الثاني؟ وما الدور الذي سيؤديه والده هل سيفجر الجماعة أم أنه يسير بالقنبلة إلى وجهة ما بأمرهم؟ هل يعلم أن ابنه على قيد الحياة ويتلاعب بـ”كرم” أم أنه يظن أنه مات؟ هل صدقت رواية آدم عن زواجه بإيمان -يارا الصفدي- أم أنها قصة مختلقة ليحصل “كرم” على المعلومات التي تحتفظ بها؟ وهل سيجو “كرم” والمنصة أم أنها النهاية؟ وهل سيفاجئنا “ناصر” بأنه يتبع الجماعة وما هو دور صديق والده -أحمد الجسمي- الذي يظهر أيضًا على الغلاف بالرغم من ظهوره في مشاهد قليلة تغلب عليها مساحة الأدوار النسائية وتأثيرها على الأحداث؟