أحمد الفخراني: هل حان الوقت للاستثمار في المواقع الصحفية الصغيرة؟

نقلا عن موقع هنا صوتك

ملايين تدفع شهريا في الإصدارت الورقية والرقمية للصحف المصرية بلا طائل حقيقي، لا أرقام توزيع جيدة ولا أفكار للربح من الإصدارات الرقمية، عمالة غير مؤهلة للمستقبل، تفكر بعقلية الإصدار الورقي، الذي بدوره لم يواكب أي تطور، الأزمة تتفاقم، تطيح يوميا بصحفيين يعملون أصلا في مستويات متدنية من الحماية وبلا عقود.

في الوقت ذاته، نجحت عدد من المواقع ذات التمويل الصغير نسبيا وبعدد محررين أساسيين قد لا يزيد على 8 ، ككسرة، ساسة بوست، زحمة، إعلام.أورج، في خلق حالات نمو وانتشار أسرع من المواقع التي يعمل فيها أكثر من 200 صحفي، دون أن تحقق النجاح المرجو، مع سمعة مشبوهة سريعة، أو الرزوح تحت ضغوط مادية تهدد استقرار المؤسسات أو العاملين بها.

دعونا نستلهم تجربة اقتصادية

عام 1987 بدأت شركات الطيران المدني في أوروبا تخطوا إلى شبح الإفلاس، عدد كبير من شركات الطيران الوطنية لم يعد يستطيع العمل دون دعم حكومي، بعد أن حررت السوق الأوروبية الطيران المدني. السوق المحررة رسمت بوضوح حدا فاصلا بين الرابحين والخاسرين، ومجالا تنافسيا ميز بين الشركات ذات الأداء القوي والشركات ذات الأداء الضعيف.

شركة واحدة من شركات الطيران المدنية استطاعت أن تحقق “انقلابا مدهشا” هي “شركة لوفتهانزا الألمانية. الفكرة الأهم التي اتبعتها لوفتهانزا وحولتها من شركة طيران على حافة كارثة مالية، إلى شركة كبرى تحقق أرباحا كبيرة هي تقسيم الشركة إلى شركات مستقلة قانونا وخلق سوق داخلية، كل شركة لها إدارتها المستقلة: شركة الشحن والبضائع، شركة التقنية، شركة الأنظمة، على أن تعمل الشركة الأم على الإشراف الإداري الشامل، لضمان التنسيق بين الشركات الثلاث، مع أحقية كل شركة في اتخاذ قرارتها في التعيين والهيكلة، وبعمالة أقل لكل شركة، بقدرة منضبطة على إدارتهم واطلاق العنان للمبادرات، استطاعت الشركات الخاسرة التي كانت تمثل عبئا أن تحقق أرباحا هائلة بالتعاون المتسع مع السوق في العالم.

ما الذي نحتاج إلى تعلمه من درس لوفتهانزا بخصوص وضع الصحافة الورقية المتأزم، مقابل مواقع أكثر تحررا وقدرة على تحقيق نمو أسرع ونتائج جيدة رغم قلة عدد المحررين فيها وتمويلها الضعيف؟

نماذج ناجحة

هناك نماذج ناجحة في مصر، موقع في الجول في المركز 47 في الترتيب على مصر ومن أكبر المواقع الرياضية المصرية انتشارا، رغم أن عدد المحررين الأساسين فيه، لا يزيد عن 9 أفراد، ويستعين لاستكمال الفريق بمحررين يعملون بدوام جزئي أو بالقطعة، دون أن يمثلوا عبئا اقتصاديا على المؤسسة الصحفية – في ظل عدم وجود أفكار واضحة للربح بعيدا عن الإعلانات- التي تستطيع أن تتوسع يوما بعد يوم، مع العمل مع صحفيين بدوام جزئي أو بالقطعة لا ينشر لهم إلا عبر التأكد من الحصول على مواد جيدة، تناسب الموقع.

مؤسسة المصري اليوم، هي أقرب النماذج إلى نموذج لوفتهانزا، من خلال تقسيم المشروع الأكبر إلى 4 مشاريع أساسية: الجريدة الورقية، الإصدار الرقمي، مشروع المصري اليوم لايت، شارك لصحافة المواطن، رغم عدم انفصال القرارت التحريرية لكل مشروع، إلا أن مشروعي المصري يوم لايت وشارك لصحافة المواطن، هما الأكثر قابلية للنمو والانتشار رغم قلة عدد محرريه وبميزانية أقل من ميزانية باقي الإصدارات بكثير.

في المقابل، تقدم مواقع مثل زحمة ( 5) محررين على أقصى تقدير وساسة بوست التي لايزيد عدد المحررين الأساسين فيها عن 13 محررا أساسيا، نماذج أكثر احترافية من مثيلاتها في المواقع الكبرى، فيما يخص استغلال أدوات الإنترنت في تقديم صحافة، لا تغفل السؤال الأساسي للصحافة: ما الذي يحدث؟

كسرة، استطاعت أن تقدم نموذج لصحافة الترفيه باحترافية أكبر من مثيلاتها، مع وضوح الرسالة من البداية، نحن هنا لنقدم محتوى ترفيهيا منوعا فقط، دون حسابات سياسية. ربما هذا ما تفتقده الصحافة المصرية، مستثمر يهدف إلى الربح لا التأثير السياسي.

تلك المواقع التي تركز على تعيين الصحفيين المؤهلين فقط، كما يسمح لها العدد بإدارة أكثر مرونة وسيطرة أكبر على محتوى أكثر جودة، كما أنها تتعامل في المقابل مع عدد أكبر من الصحفيين العاملين بدوام جزئي أو بالخارج تحت شرط واضح: امنحني مادة جيدة، أدفع لك. في المقابل يفقد الحس النخبوي للصحافة نجاح التجارب الصغيرة.

لا زالت المواقع الصحفية الصغيرة أيضا، أسيرة عدم تحويلها إلى مؤسسات لا يتحدد مزاجها العام أو نجاحها بموهبة شخص أو انحيازاته وذائقته.

النمو السريع، لتلك المواقع قد يكون إشارة للاستثمار فيها ودفعها نحو أطر أكثر تنظيما، قد تكون قبلة الحياة لأزمة الصحافة المصرية الاقتصادية.

لا أدعو أبدا إلى التخلص من الصحفيين، لكن إعادة هيكلة المؤسسات الصحفية بشكل يجعلها أكثر خفة ومواكبة للعصر، تقسيمها إلى مشاريع تعمل بكفاءة وباستقلالية تجعلها أكثر مرونة في اتخاذ القرارات التحريرية والمبادرات، ومنح فرص أكبر للعاملين بالدوام الجزئي، مع الوضع في الاعتبار أن تدريب الصحفيين وتأهيلهم لمستقبل الصحافة أو صحافة المستقبل، هو الحل. ففيما تخشى المؤسسات الكبرى التجريب والاستثمار في تدريب كوادرها، فهي تقطع في الوقت نفسه حبل نجاتها.

 

اقرأ أيضًا:

“العهد” النسخة الصعيدية من Game of Thrones

إيهاب التركي يكتب: العهد ..حتى التتر مسروق !!

أحمد عز “أب” بحكم المحكمة

5 ملاحظات على أضخم حملة إعلانات لـ”أم حسن”

إسراء النجار تكتب: 9 أسباب لتميز “تحت السيطرة”

نقدم لكم : جميلة عادل محمد عوض 

8 معلومات عن إعلان عمرو عبد الجليل