اليوميات.. كيف حوّل "هيكل" مذكراته إلى شهادة على العصر؟

طاهر عبد الرحمن

صدر منذ أسابيع عن قطاع الثقافة بمؤسسة أخبار اليوم كتاب “اليوميات” لمحمد حسنين هيكل، وهي اليوميات التي كتبها الكاتب الكبير الراحل على مدى ثلاث سنوات – أسبوعيا – في جريدة أخبار اليوم.

الكتاب ضخم يضم 623 صفحة، ومُقسم إلى ثلاثة أجزاء، كل جزء مخصص ليوميات كل عام على التوالي 1955 1956 1967، وهي آخر ثلاث سنوات قضاها الأستاذ في أخبار اليوم، كرئيس لتحرير مجلة “آخر ساعة”، ورئيس تحرير جريدة الأخبار، وبعدها انتقل كرئيس لتحرير جريدة الأهرام حتى عام 1974.

التحق هيكل بأخبار اليوم عام 1946، عندما انتقلت ملكية مجلة آخر ساعة من الأستاذ محمد التابعي إلى الأخوين علي ومصطفى أمين، وفيها لمع اسمه وبرز كواحد من أهم الصحفيين في مصر والمنطقة العربية، وكانت تحقيقاته وتقاريره تحتل غالبا الصفحة الأولى من الجريدة.

في هذه اليوميات نرى وجها آخرًا للكاتب الأشهر، السياسة بالطبع حاضرة في غالبية تلك اليوميات، لكن هناك أيضا يوميات عن الفن والسينما وقضايا اجتماعية مختلفة، ومعظمها مكتوبة بحس فكاهي غير معتاد من هيكل، وإن كانت تنم عن متابعة دقيقة لكل أحوال المجتمع المصري -تلك السنوات الحاسمة والفاصلة.

يكتب هيكل عن فيلم “صراع في الميناء”، ويرى أنه فيلم يُمثل نموذجا يجب على صناعة السينما الاقتداء به، ويبدي إعجابه بمخرج الفيلم (الذي لا يعرفه) “يوسف شاهين” وأيضا بطلة الفيلم، فاتن حمامة، ويستغرب من “قصة شعر عمر الشريف”!
أمور كثيرة تظهر في ثنايا تلك اليوميات، مثلا لا يخلو يوم من أيامها من لقاء مع سفير أو وزير أو مفكر أو صحفي أجنبي، ما يوحي أن “هيكل” لم يكن يفعل شيء في حياته سوى حضور لقاءات وكتابة مقالات. أغلب تلك اللقاءات جرت – إما على الغداء أو العشاء – في فندق “سميراميس”، وعلى ما يبدو فإنه كان ملتقى “النخبة” في ذلك الزمن.

00

ظهر اسم “أحمد عبود باشا” كثيرا في تلك اليوميات، وهو رجل أعمال راكم ثروة هائلة في الحقبة الملكية وواجه صعوبات كثيرة زمن الثورة، ودائما كانت حوله شبهات وأقاويل لا حصر لها لدوره في كواليس السياسة المصرية، وكما هو واضح فإن “هيكل” اتخذ منه “لوحة تنشين” لضرب “العهد البائد”.

انتقادات كثيرة وجهها الأستاذ للصحافة المصرية (ومعها الإذاعة وهما كل وسائل الإعلام وقتها) بطرق مباشرة وغير مباشرة، منها مثلا ما نقله عن القائد العام للجيش اللواء عبد الحكيم عامر، ونقده لأسلوب تناول الصحف المصرية لأخبار الجرائم والتوسع فيها بشكل كبير، أيضا وجّه “هيكل” انتقادات “لاذعة” وفكاهية للإذاعة المصرية و”جهل” بعض المذيعين فيها، كذلك ما نقله عن قائد الجناح “جمال سالم” واتهامه المباشر للصحافة بالنفاق.

اسم “نوري السعيد”، رئيس وزراء العراق زمن الملكية، يتكرر كثيرا في اليوميات، هجوما واستهزاء، حتى مقتله بعد ثورة يوليو 1958، كان هو “العدو الأول” لمصر الناصرية، بدوره المعروف فيما كان يُسمى “بحلف بغداد”، والذي كان فكرة أمريكية وقيادة بريطانية لملئ الفراغ في الشرق الأوسط (كما كانوا يقولون)، بعد انسحاب الاستعمار من المنطقة ومواجهة الخطر الشيوعي!
الكتاب مليئ بالحكايات والكواليس، ويمكن بسهولة – من بين السطور – استقراء “الدور” الذي لعبه هيكل فيما بعد لسنين طويلة، باعتباره الذراع الإعلامية لمصر، وهو دور كان يوازي وزارة إعلام (أو إرشاد) كاملة.

نرشح لك: لماذا يختلف كتاب “عزيزي المحرر” عن كتب القواعد اللغوية الأخرى؟