محمد عبد الرحمن: عودة الكاتب المجهول

نقلا عن جريدة المقال

الظاهرة ليست جديدة بالطبع، موجودة منذ بدأت ماكينة الصحافة المصرية في الدوران، لكن اللافت هو اختفائها ثم عودتها بقوة في الشهور الأخيرة، ظاهرة كتابة أعمدة الرأي “السياسية” بأسماء مستعارة في الصحف الخاصة، من نيوتن إلى ابن البلد ثم ابن الدولة وصولا لأرشميدس، هل لازال الكتاب في مصر يحتاجون للتخفي وراء أسماء مستعارة بعد ثورتين من المفترض أنهما زادتا من مساحة حرية التعبير في مصر، ولو فرضنا أن هذه الأراء تعبر عن الجريدة نفسها فلماذا لم نعد نرى عبارة “رأي الشروق” أو “رأي المصري اليوم”، والأهم كيف يرى القارئ هذه الظاهرة وكيف يتعامل معها، سؤال يبدو أن من حولوا “الأسماء المستعارة” إلى “لعبة” يمارسونها على صفحات الجرائد لا يكترثون باجابته، لا يعرفون أن القارئ في هذه الحالة يهتم أكثر بأن يعرف من الكاتب لا بتحليل وتدبر ما كتب، أشهر الأسماء المستعارة في تاريخ الصحافة المصرية كان “نادية عابد” الذي ظل مفيد فوزي يكتب بدلا منها قرابة 40 عاما، طول الفترة الزمنية أدت لرسوخ نادية في ذاكرة القراء، كذلك وجود شخصية محددة الملامح للكاتبة، وحرص مفيد فوزي على التمسك بهذه الملامح وعدم الخروج عنها، نادية خرجت لأن الكاتبات الشابات في بداية الستينيات بمجلة صباح الخير رفضن كتابة مقالات عن ضرورة تحرر الفتاة من عقد المجتمع وكلاكيعه، فتصدى للتجربة مفيد فوزي وأصدر 3 كتب ونجح في اخفاء سره طويلا، حتى توقف عن الكتابة باسم نادية بعد ثورة يناير وكاد أن يدفع بها للهجرة إلى كندا لكنه قرر كشف السر خصوصا وأن أخرين نشروه قبل اعتزال نادية بسنوات قليلة، حتى فيما يتعلق بزاوية “أبو نضارة” في جريدة الأخبار فكان معروفا ان من يكتبها هو اللكاتب الراحل “نبيل عصمت” أسماء مستعارة أخرى ظهرت مثل “أنور وجدي” في أخبار اليوم وكان يكتبه إبراهيم سعدة لكن التجربة لم تدم طويلا، وكان الهدف منها وجود مقالات موازية يعبر بها الكاتب عن أراء لا تناسب منصبه التحريري، كل ذلك كان مقبولا حتى لو اختلفنا حول الفكرة نفسها، ومعظم الأسماء المستعارة كانت “عادية” دون الحاجة إلى اللجوء لأسماء فلاسفة وعلماء غير مصريين أو أسماء تُصادر على حق القارئ في مناقشة الكاتب، فإذا كان من يكتب يرى نفسه “ابن البلد” أو “ابن الدولة” فطبيعي أن يرفض النقاش باعتباره يكتب كممثل للبلد وللدولة، ولو تركنا الأمور بهذا الشكل سنجد من يكتب باسم “ابن الحكومة” ويعبر عن رأي مجلس الوزراء، و”ابن البرلمان” عندما يصبح لدينا برلمان، هذه الظاهرة تحتاج لتفسير واضح من رؤساء تحرير الصحف التي تسمح بوجود هذه المقالات خصوصا وأن كلها سياسية وتحمل رسائل مبطنة أحيانا وظاهرة في معظم الأوقات، ورسوخها يعني استمرار تمرير أفكار وتوجهات معينة بدون تحمل مسئوليتها لأنه في النهاية لو لم تصدق تلك الأفكار فمن سنحاسب ونحن لا نعرف الكاتب، يحدث هذا فيما يدين الصحفيون كل يوم “الحسابات المفبركة” للسياسيين والمشاهير عبر مواقع التواصل، رغم أنه لا يوجد أدنى فرق بين أن ينشئ أحدهم حسابا باسم مستعار على تويتر أو أن يكتب أحدهم مقال رأي سياسي في جريدة يومية وهو يخشى كتابة اسمه ، كلاهما يخدع الناس أيا كانت النوايا ومهما كانت المقاصد.

لمتابعة الكاتب علي تويتر من هنا

لمتابعه الكاتب علي فيسبوك من هنا

اقرأ ايضا : 

محمد عبد الرحمن: إجازة مزعجة ليحيي الفخراني

محمد عبد الرحمن: الذين ماتوا ثم عادوا بالجرافيك

محمد عبد الرحمن :القوة الناعمة التي لا يشملها الوفد المرافق للرئيس 

محمد عبد الرحمن : سيدي الرئيس .. You’ve Got Mail

محمد عبد الرحمن: House Of Cards…سفاح في البيت الأبيض

محمد عبد الرحمن: برامج “وشها وحش”..أم الأعمار بيد الله؟

 .

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا