فتحي أبو سليمان: دموع راقصة

أوكار الليل كرة أرضية يعمل سكانها في الليل وينامون نهاراً للراحة من الشقاء.. مجازفة حقيقية أن تدخل إلى أحد تلك العلب دون أن تصاحب أحد زبائنها أو تكون من المترددين عليها لتفهم طبيعة التعامل وطريقة الدفع وتحدد وسيلة للخروح أمناً بعيداً عن ألسنة السكارى وعبث الساقطات وتعدي البلطجية.

ذات ليلة اصطحبني أحدهم ويعمل ضابطاً في إدارة مكافحة الأداب العامة للإطلاع على ما يدور في تلك الأجواء والخروج بحبكة صحفية شيقة عن عالم آخر لا نعرف عنه سوى القليل وإذا بنا ننتقل من مخبأ إلى أخر وندخل “علبة” و “كباريه” كان كل همي أن أوفق في الخروج بطريدة ثمينة لإطلاع الرأي العام على عالم الكباريهات والبارات وما هو المبلغ التقديري الذي يُدفع كل ليلة في هذه الملاهي.

الكلمة ذاتها “بار” أو “كباريه” تثير الذعر لدى البعض لكن التعرف عليه ضرورة لاغنى عنها لأن الأسوياء في مجتمعنا لا يعرفون عنه سوى ما يكتب على صفحات الحوادث من صور للقبض على الساقطات وأخبار خفيفة تتمثل في مصادرة وضبط إحداهن تمارس العمل بدون تصريح لكن الحقيقة أن هذا الآخر هو عالم له كينونته وخصوصيته.. لا يعرف زبائنه وعماله ومريديه وأصحابه شيئاً عن حياتنا العادية فحياتهم تبدأ في الثامنة مساء وتنتهي في السابعة صباحاً حتى التاسعة والعاشرة.. مئات الألوف تصرف للاستمتاع برقصة إحداهن ومداعبة أخرى وملامسة ثالثة.

بمجرد دخولنا إلى “الكباريه” الكل يصمت فوجه الضابط معروفاً لدي الجميع هناك فهو يمثل لهم رعباً حقيقيا لأن جميعهم يعرفون في قرارة أنفسهم أن ما يفعلونه غير صحيح سلوكياً وأن لديهم جزء من الخطأ وإن كان ما يفعلون لا يجرمه قانوننا الوضعي ..يطلع على أوراق الراقصات وتصريحاتهن للعمل يمارس مهام عمله ويقوم بحملة تفتيشية في دقائق معدودات ونذهب إلى مكان أخر.

كانت تمتلك وجهاً جميلاً حينما رأيتها وملامح صافية تخلو من عبث الراقصات وكم “العك” اللاتي يضعهن في وجوههن بشكل مقزز، كانت بريئة تماماً لا تملك تصريحاً حتى للعمل داخل تلك الأماكن المشبوهة حينما سألها الضابط عن هويتها لم يكن معها انهمرت دموعها واصطحبها إلى “بوكس الشرطة” لتضيف رقماً جديداً ضمن حصيلة صيده في تلك الليلة، هى الوحيدة التي استفزت فضولي واستهوتني لمعرفة ما وراؤها ؟! والبحث عن أدق التفاصيل؟!.. حصلت منه على موافقة للدردشة معها.

قالت والخوف في عينيها: “مى ..اسمي الذي هربت به من عذابات زوج أمي في منزلنا مدقع الفقر منذ أسبوعين، لم أرى رحمة في وجه انسان على الإطلاق، أهل الخير- قالتها بسخرية – دلوني للعمل هنا وها أنا في أول يوم أعمل فيه الكل يرمقني بنظرات ثاقبة فهم يعتبرونني ضمن بقية القتيات اللاتي تعودن عليهن.. زوج أمي إبليس من نوع مختلف تعود على ممارسة كل شكل اللا إنسانية معي ومع والدتي، كان يصطحب صحبة السوء للمنزل ليقضوا سهرات ساكرة مُكرهاً والدتي على تلبية طلباتهم، وفجأة وإذا بي أذاكر دروسي ذات ليلة دخل غرفتي غائباً عن وعيه ممسكاً سلاحه الأبيض وهددني بالذبح لو لم أخرج لأرقص لهم.. كانت والدتي قد غطت في نوم عميق بعدما خدرها تماماً وأحبك خطته الشيطانية وبعدها سقطت فريسة في أيدي ثلاثة ذئاب وزوج أمي مخموراً ومخدراً تماماً لا يقوى حتى أن يسمع صرخاتي واستغاثاتي.. دقائق معدودة لأفقد أغلى ما أملك في حياتي.. إنهار كل شئ في لحظات وتحطم أملي في الحياة على صخر شهوة شيطانية واسودت الدنيا في عيني لتنتهي حياتي هنا في “بوكس شرطة” والقادم أسوأ وأجهل وأفظع.. واختفت ملامحها تماماً وراء دموعها وبين كفي يديها.

ولكي تكون مغامرتي البائسة عادلة نوعاً ما، حملت هموم تلك الفتاة واستعلمت عن صحة بياناتها فوجدت ما سردته حقيقي وكامل تماماً ومدون في بيانات القضية رقم 8146 لـ 2015 جنوب الجيزة وزوج أمها محبوساً على ذمة قضية الإغتصاب والفتاة هاربة من منزلها البعيد في منطقة نائية جنوب الجيزة.

كل منا لديه حكايته الثانية.. قصة حزن داخله.. سر دفين مؤلم داخلنا.. ذنب يريد أن يتوب منه.. ومأساة يريد التخلص منها.. ضميره يصرخ ألمًا ﻣن ذنب لم يقترفه وأخر داخله خوف من المجهول.. وثالث عانى ممن أحبهم ومازال.. ورابع تجبره ظروفه على التغير.. وخامس تعب من التضحية.. وسادس كره الحب.. وسابع يريد العودة وثامن يخاف الفراق.. وتاسع يبكي كل يوم شاكياً همه.

منا من وجد نفسه بين هذه السطور وآخرين مازالوا يبحثون.. تتلاقفهم أمواج المجتمع وتصدمهم عذاباته.

اقـرأ أيضًـا:

فتحي أبو سليمان: أحبوش..!

عمرو اديب يحذر السيسي من أزمة قلبية لحراسه

الحسيني: لما الفنانين سافروا يأيدوا السيسي بقوا “هشك بشك”!!

سيد علي: كنت بحترم مدحت شلبي

سعد عن “محلب”: بيفكر بمنهج إضرب المربوط يخاف السايب

سلبيات الوفد الشعبي إلى ألمانيا في “البيت بيتك‬”‎

شردي عن الفتاة التي هتفت ضد السيسي: رمت نفسها في حضن الأمن

تابعونا عبر تويتر من هنا

تابعونا عبر الفيس بوك من هنا